نعرفه فى مصر جيداً ويحترفه البعض باقتدار؛ جُل المواقف يقف خلفها هؤلاء من محترفى «رمى البلاء»، وتُخفَّف الهمزة فى كثير من الأحيان، لكن المعنى يظل واضحاً، والأثر يظل جلياً.. وغالبية ضحايا «رمى البلا» يضعونه تحت بند الابتلاء؛ باعتباره نوعاً منه؛ ثم يستترون منه بالحمد ويرجون العوض من الله والأجر على الصبر.
تُوصَم شعوب العرب بأنها كاذبة؛ لا معلومة صادقة، ولا تقرير مبنى على حقائق.. ظللنا سنوات نروّج لمفهوم «دول أجانب ما بيكذبوش»، تتكشف الوجوه وينفتح الوعى ونحن نرى تقارير ودولاً وقيادات ومسئولين فى موقع الكذب؛ تكاد أنوفهم تمتد أمتاراً خارج وجوههم كلما تحدثوا، يحوّلون أسطورة «بينوكيو» الخيالية لحقيقة واقعة، يمارسون الكذب على الجميع، أنفسهم أولهم، وشعوبهم، ثم يدولون الكذب بممارسته على شعوب ودول أخرى.
ما الذى تريده إسرائيل؟.. «ضع مصر فى جملة مفيدة»، ثم افعل ما شئت؛ لماذا لا تريحها مصر وتعترف حتى يزول «البلا»: نعم، نحن من أكل الجبنة كلها؛ نحن من دفعكم لاحتلال فلسطين؛ نحن من وضع السلاح فى أيديكم ووجهناكم للقتل؛ نحن من رسمنا لكم المجازر وأنتم مجرد منفذين، بداية من ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ سيراً إلى الخلف لمدة ٧٥ عاماً؛ أقول لكم.. نحن الرجل الأول فى دراما العصابات وأدب المافيا الذى تمارسونه، علماً بأن وصف الأدب ينسحب على الكتابات لا على ممارساتكم القذرة.
ويزيد لدىَّ اليقين أننا الجيل الموعود بانتهاء هذا الكيان.. سأشهد وأقرانى زوال إسرائيل، والأدلة لا تنضب منذ 7 أكتوبر وحتى مثولهم أمام محكمة العدل الدولية، فى جريمة معتادة يمارسونها منذ نشأتهم، وهى الإبادة الجماعية، فى كل مرة نصفق لهم فى حيل الهروب والتبرؤ من الجرائم، يدافعون عن أنفسهم بجرأة والدماء تُغرق أياديهم وملابسهم، ويصدقهم العالم بل ويتعاطف معهم.. هذه المرة مختلفة، منذ 7 أكتوبر لم يُكتب لهم نجاح، حتى الرد فشلوا فيه؛ حتى رمى البلاء لم يكن متقناً؛ لقد وهنت عظام نتنياهو وصار بحاجة إلى جليس مسن يرشده لأفعاله ويساعده عليها.
إن نموذجاً مثل «كروان مشكلات» أولى بتدبير أمر نتنياهو وإدارة موقفه وموقعه عنه؛ على الأقل لن يكون عديم المنطق قليل الحيلة كذوباً إلى هذه الدرجة.
أتذكّر فيلم «لو كنت غنى»، حين لعب أحد أفراد العصابة دور المجنون على البطل «يونس»، الذى فطن للعبة بعد أن أخذوا منه كل أمواله، فقرر أن يعاملهم بمنطقهم، وصرخ فى وجه العصابة «كتاكيت»، حتى استرد منهم كل أمواله مرة أخرى، فى مشهد كوميدى أصيل، لكنه يرسّخ لأول دروس الدفاع عن النفس التى تعلمناها فى شوارع مصر الشعبية الأصيلة «اللى يعمل لك مجنون البس له القميص بالعكس»، وهكذا هى أيضاً مرافعة إسرائيل أمام محكمة تمثل العالم كله، ستُحفظ يوماً ما فى مكتبة الأعمال الكوميدية، ليست فى باب الدراما، لكن فى باب «كوميديا حقيقية من أحداث واقعية».
فعلتها إسرائيل دوماً؛ كانت تبذل الجهد فى الكذب والتدليس؛ هذه المرة لم تفعل؛ كذبها كان مفتعلاً مبتذلاً مسلوقاً متقمصاً عبلة كامل فى جملتها الشهيرة «لا مش أنا دى أختى منى».. وظللنا طوال الفيلم ننتظر «منى» لكنها لم تظهر؛ فلماذا نطالب «منى» الآن بالرد؟ وما يثار أو يشار إليها فيه مجرد فشل وعبث وخيبة من مُردِّده؟
تريد إسرائيل من العالم كله أن يكذِّب عينيه، وأن يصمَّ أذنيه عن اعترافات قادة الكيان الصهيونى أنفسهم بالقتل الممنهج الوحشى وبالتجويع وبممارسة فظائع، يريدون أن نكذِّب الفلسطينيين أنفسهم الذين اعترفوا لمصر بالوقفة والمساندة -لا نقول بالفضل لأنه حقهم- ونصدِّقهم هم أبناء الكذب رعاة التدليس وكل مترادفاته التى ذكرتها المعاجم والكتب، من خداع وغش واختلاق وافتئات وافتراء وإفك وبهتان وتضليل وتزوير وتزييف وتلفيق وجهالة ودجل وزور وزعم وضلال.. تريد إسرائيل الكثير، لكنها لن تبقى حتى تصل إليه.. هذا وعدنا المحقق.