مناخ الاستثمار فى مصر فى حاجة ماسة لإعادة النظر إذا كنا نبحث عن إصلاح اقتصادى، فهناك مستثمرون سيهجرون البورصة المصرية إلى أسواق عربية أخرى لأسباب كثيرة، فالمملكة العربية السعودية فتحت الباب مؤخراً للأجانب للاستثمار فى البورصة، والكويت ألغت الضريبة على الأرباح الرأسمالية، وهذا نفسه فى الوقت الذى تقرر فيه مصر فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية، والتى تشمل أرباح البورصة، وهو القرار الذى صدر منذ أشهر مضت، وواضح من التصريحات الرسمية تمسك الحكومة به، ولكن هذا الشهر بدأ تطبيقه عملياً، لأننا الآن فى موسم توزيع الأرباح للشركات، فبينما لم يسجل الاستثمار ارتفاعاً حقيقياً كبيراً فى أرباح الأسهم، جاءت الضريبة لتلتهم نسبة أكبر من هذه الأرباح، وبدا الأمر بالنسبة للمساهم أنه خسارة.
ورغم أننى لا أثق بأن البورصة المصرية تعبر عن استثمار حقيقى، ولا أن أسعار أسهمها تعتبر حقيقية بنسبة كبيرة نظراً لتحكم أصحاب المصالح بها، إلا أنها مؤشر فى حد ذاته لاتجاه عام.. وفى ظنى أن مصر الآن تحتاج لجذب استثمارات عربية وأجنبية، كما أنها تحتاج بقوة لاستثمار داخلى قوى، ولا يمكن أن ينجح الأمر إذا ظلت هذه القوانين كما هى، والمستثمر، أى مستثمر، داخلياً كان أم خارجياً يحتاج إلى تسهيلات وتشجيع من جانب الدولة التى سيعمل فيها فليس عيباً أن يتم منح أرض زهيدة الثمن لمستثمر إذا كان جاداً فى تشغيلها، وحتى لا يتحول الأمر إلى تجارة أراضٍ يلتزم هذا المستثمر فى التعاقد بتشغيل مشروعه خلال عامين مثلاً، فإن لم يحدث، أو تحايل المستثمر بوضع بعض المظاهر غير الجادة على هذه الأرض، يتم سحب الأرض منه، وتمنح لغيره دون تعويض من الحكومة، أو يتم منح الأرض مجاناً للمستثمر فى مقابل أن تظل ملكاً للدولة، فمن مصلحة الدولة أن يستثمر كل ما يمكن استثماره، فهذا يقلل نسب البطالة والفقر، ويزيد الإنتاج ويحافظ على الاقتصاد الوطنى. أما الإشارة إلى أن كل من يشترى أرضاً، فهو «حرامى» حتى يثبت العكس، فهذا كلام لا يمكن أن يستقيم إذا كانت الدولة جادة فى جذب استثمارات، والتجربة تقول إن اللص هو الذى سيستطيع أن يناور الدولة ويسلب منها أرضها، ولدينا قوانين تساهم فى ذلك. ولو سار أى مواطن بسيارته على ساحل البحر الأحمر سيجد الآلاف من قطع الأراضى الخالية بين كردونات المدن، وهى مجمدة منذ عقود لصالح رجال أعمال معينين اشتروا المتر بدولار واحد، وسقّعوها وهى الآن تساوى مليارات كثيرة. ولو أن هناك متابعة، والتزام بتطبيق القوانين لتم سحب كل هذه الأراضى وأعيد تخصيصها مرة أخرى لغيرهم من المستثمرين الجادين. ويكون هذا هو المنطق فى الاستثمار، وهذا الأمر ليس بدعة ولكنه يحدث فى أى دولة تريد أن يكون لديها استثمار.
وأتعجب كثيراً من شكاوى عدد غير قليل من مستثمرى مدينة شرم الشيخ الذين تطالبهم الجهات المسئولة فى الدولة بإثبات جنسيتهم المصرية. وهو أمر سهل يمكن إثباته بالرقم القومى إلا أن هذه الجهات لا تعترف بذلك، وتطالب المستثمر بأن يقوم بنفسه باستيفاء أوراق نسبة لأبعد مدى ممكن فى رحلة عذاب قد تستغرق شهوراً، ثم فى النهاية لا ترضى الجهة طالبة التحقيق. وحسب معلوماتى فإن الداخلية المصرية لديها حصر بالمتجنّسين بجنسيات غير المصرية، رغم أننى شخصياً مؤمن تماماً بأن المنطقة الشمالية الشرقية لا يجب أن يمتلك فيها مستثمر أجنبى الأرض ولو حتى بالبيع، إلا أنه لا مانع من العمل على أن تظل الأرض مملوكة للدولة بشروط مختلفة. تماماً مثل الاستثمار فى مجال الإعلام والذى يجب أن يظل بعيداً عن رأس المال الأجنبى، لأن فى ذلك خطراً واضحاً على الأمن القومى.
ومن بين القوانين التى يجب مراجعتها أيضاً قوانين الضرائب ونظم الجمارك، فالاستثمار لا يعمل فى ظل إجراءات معقدة، أو تقديرات جزافية، فهذا يفتح الباب للفساد، ولا ينتهى إلا بضياع حقوق الدولة. وكلما كانت الإجراءات أبسط، كانت النتائج أفضل، وكان الفساد أقل، ولا يمكن أبداً أن يستورد مستثمر أجهزة ومعدات تستغرق أسابيع حتى تخرج، ولا يمكن مثلاً أن يكون هناك مستثمر سيدخل أجهزة سوف تخرج مرة أخرى بعد مهمة معينة، ثم يقال له ادفع جماركها ثم استعدها حينما تخرج. والدفع مشكلة والاستعادة مشكلة أكبر.
نحتاج نظرة مختلفة للاستثمار فى مصر، لأن مشاكل مصر تحتاج للاستثمار، باعتباره يفتح الطريق لإنهاء حالة البطالة والفقر التى انتشرت خلال سنوات التوتر التى مضت.