الغالبية من الناس وكذلك ممن يشتغلون بالعلم والدين ويتخذونه للرزق والعمل وليس سبيلاً إلى الحق والحقيقة، يعتقدون أنهم وهبوا من العقل واكتسبوا من العلم أو من الدين القدر الكافى بل ما يفيض، ولا حاجة لهم بالمزيد من هذا ولا ذاك، لا بالعلم الذى يتجدد كل يوم ولا بإعمال التفكير والنقد ولا حتى بالتبصر والاستماع بإنصات لأكثر من رأى وصوت، ولا بالحركة والسفر كما فعل الشيخ الأزهرى رفاعة الطهطاوى، ولا بشىء غير ذلك.
مثل هؤلاء العلماء والمشايخ يتخذون ويؤدون دور الأب مع أطفاله، ويدافعون بقوة كما يدافع الأب عن دوره الذى يعطيه كرسياً أعلى يلقى منه النصائح ويمارس سلطة معنوية مطلقة لا حد لها، ولذا يرفض رجال الدين أو المشايخ الأزهريون أو الإخوان والسلفيون، وغيرهم ممن يتحدثون باسم الدين، تماماً أن تُمس سلطتهم تلك ويمنعون كلما استطاعوا دخول غيرهم ومناقشتهم لتفنيد هذه الديانات التى أحاطوها بسياجاتهم وآرائهم الخاصة التى نشأت أساساً بتأويلاتهم وتفسيراتهم التى تجافى العقل أو تتفق معه.
احتكارهم يهدف إلى منع كشف العوار والتهافت فى منطقهم وفى اعتقادهم الدينى، الذى هو ليس الإسلام ذاته، لأن الدين نفسه هو تلك النصوص التى أنزلت على النبى الكريم من الله قبل أن تخضع لأهوائهم السياسية والاجتماعية والقبلية وتفسيراتهم المتناقضة التى لا تخلو أبداً من هوى ولا من غرض. ثم إنهم يهدفون بخلق الكهنوت وإغلاقه على أنفسهم إلى إبقاء سلطتهم المادية والمعنوية على أنفسهم ومنع آخرين من كسرها أو الاستفادة منها.
وفى المناظرات التى تمت بين الباحث إسلام بحيرى وآخرين، أثيرت عدة أسئلة، منها: «هل الدين علم أم لا؟»
ورغم أن المشايخ الدينيين قالوا إنه علم فإنهم ناقضوا أنفسهم واستنكروا أن يوجه أى نقد إلى الدين الذى يطرحونه على الناس، بينما للعلم -أى علم- منهج وشروط لا يجب الخروج عليها كالنقد والنقض، والحذف والإضافة، بل إن أهون ما فى العلم هو قراءة القديم بالمفاهيم والخبرات الجديدة.. فهل سيقبل أولئك الكهنة ذلك؟
إن هذا سيعيدنا لما سبق أن طرحته وهو تحديد الحدود الجغرافية للدين نفسه.
ولقد أثارت قضايا تافهة مثل نكاح طفلة التاسعة، ورضاعة الكبير سؤالاً جاداً: هل نتبع العلم والتطور الاجتماعى أم نتبع السنة ممثلة بأحاديث البخارى وغيره؟
كشفت المناقشات عن قناعة الأزهريين بصحة مثل هذه الأحاديث وفق ما يقولون إنه منهج علمى يتبعونه، خاصة أنها وردت فى كتاب «البخارى».
وهذا يكشف تناقضاً آخر فى عقولهم وتفكيرهم: فكيف يمكن أن نتلقى من منهج علمى (أو ما يسمونه علماً) نتيجة نهائية تخالف العلم؟
كيف يكون علماً زواج طفلة لا تحيض أو حتى حاضت ما دامت تطيق أو بدينة كما قال «أزهرى» بينما لم تكتمل أعضاؤها وهرموناتها وجسدها كما يقول الطب؟
ثم كيف سنحدد أنها تطيق؟
هل يتصور هؤلاء أن الطفلة جهاز جنسى ميكانيكى سيتم وضعه وخلعه فى أعضائهم وحسب؟
كيف لا يمكن علمياً اليوم اعتبار نكاح رجل لطفلة مرضاً يسمى بيدوفيليا (عشق مرضى للأطفال) يترتب عليه وضع الناكح فى مستشفى؟
وللأسف يُطلب من هؤلاء تطوير الخطاب الدينى بينما يلزم تطويرهم أنفسهم على عجل.
إن هذه الأحاديث سواء كانت صحيحة أم ضعيفة ومثلها ما قيل عن الشفاء ببول الإبل أو إرضاع الكبير لمنع الخوف من فتنة رجل وامرأة أو النصح بتناول شراب إن سقطت فيه ذبابة بغمسها فيه أعمق، دفعت الناس بفضل شجاعة ونشاط «إسلام» وغيره وبفضل النقد الجرىء -رغم حالة الكسل العقلى الذى نحيا فيها وحالة الخوف من مواجهة العقل- إلى إعادة النظر اضطراراً. ويؤكد ذلك نسبة المشاهدة والمتابعة والتعليق وازدياد نسبة المؤيدين لرفض ما ينافى العلم، بل ينافى الإنسانية.