العيد عبادة ونُسُك، ومظهر من مظاهر الفرح، وفرصة عظيمة لصفاء النفوس، وإدخال السرور على الأهل والناس، وهو فرصة لنلقى بكل كليتنا فى رحاب الملك، الرحيم، الرحمن، الغفور، الوهاب، الرزاق، الباسط، القابض، الفتاح، العليم، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)، ويقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: (إن لله تعالى تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة)، وأسماء الله الحسنى منها ما يجب التخلق بها فى أخلاقنا ومعاملاتنا، مثل الرحمة واللطف والحكمة والحلم، فالله رحيم ولطيف وحكيم وحليم، وهى (صفات جمال) يجب أن يتخلق بها الإنسان، ونوع يجب التعلق بها (صفات كمال) مثل: الوحدانية، ونوع يجب على الإنسان أن يدعو الله لئلا يقع تحت طائلة عقابه، مثل الجبار (صفات جلال)، فالأسماء الحسنى منها الجمال والكمال والجلال.
وليس المقصود بقول النبى الكريم «من أحصاها دخل الجنة»، أى من حفظها، ولم يُعرف أن الصحابة كانوا يحفظون أسماء الله الحسنى، بل المقصود التخلق بصفات الجمال، والتعلق بصفات الكمال، والتحقق بصفات الجلال.
ومن أسماء الله الحسنى (الوهاب)، وهو الذى يهب العطاء بدون عوض، ويمنح الفضل بغير غرض، ويعطى الحاجة بغير سؤال، ويبدأ بالعطية وهو صاحب الأيادى العلية، ولا يتحقق ذلك إلا من الله تعالى، فإنه هو الوهاب الذى تكررت منه العطايا وتنوعت منه الأسباب.. يا الله.. هب لنا نوراً نكتشف به محابك ومراضيك ونجتنب به معاصيك، وهب لنا عافية فى أبداننا وسعة فى أرزاقنا وهب لنا لذة المعرفة فى قلوبنا (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)، ومن آداب من عرف ربه الوّهاب أن لا يرفع حوائجه إلا إليه، ولا يتوكل فى جميع أموره إلا عليه، وتحقق بها نبينا الكريم، صلى الله عليه وسلم، فكان يعطى عطاء من لا يخشى الفقر.
والله هو الرزاق، الذى خلق الأرزاق وساقها للمرزوقين، وهو الذى يسهلها لأهلها بحكمة خفية، وأقدار أزلية، تصريفها بيده، وتدبيرها بمشيئته، والرزق قسمان: رزق للأرواح والقلوب، وهو العلم النافع والمعرفة بالله، والذكر والفكر وهو أشرف الأرزاق، ورزق الأشباح والجسوم وهو غذاء وملبس ومسكن وملاذ محسوسة، ومتى أشرق على القلب نور الله الرزاق سكن القلب للخالق، فلا يطمع فى مخلوق، ولا يغش، ولا يرتشى، ولا يظلم، ولا ينافق، ولا يقلق، فرزقه آتيه لا محاله، وأمرنا الله أن نثق فيه ونأخذ بالأسباب.
والله هو الفتَّاح، يفتح على عباده ما انغلق عليهم من أبواب الرزق، وغيره مما قصرت حيلهم عن فتحه، فمن علم أنه الفتاح وعنده المفتاح للأبواب والأسباب، لم يعلق فكره بغيره، ولم يشغل قلبه بسواه، فيعيش معه بحسن الانتظار، وكلما ازداد بلاءً ازداد بربه ثقة ورجاءً، ويفتح أبواب الخير فى أمور الدين والدنيا، ويفتح قلوب المؤمنين بمعرفته، ويفتح على العاصين أبواب مغفرته، فيارب افتح لنا أبواب رحمتك فأنت صاحب المدد والفتوح.
والله هو القابض، الذى يقبض النفوس بقهره، ويقبض الأرواح بعدله إذا انتهى أجلها، ويقبض الأرزاق بحكمته، فإذا قبض شيئاً عن إنسان، توجه بكليته إلى الله يستعطفه، داعياً إلى تفريج ما عنده، فلا تنسب القبض والبسط لغير الله، فهو القابض، الباسط قال تعالى: (وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، يقبض عنا كل شر ومعصية، ويبسط لنا كل خير وأمنية.
والله هو الباسط، الذى يبسط العطاء لعباده، ويبسط القلوب بوداده، ويبسط الأرواح بشهوده، ويبسط الأشباح بالعافية والقوة بمحض جوده، وينبغى أن يتجنب الإنسان الضجر فى وقت قبضه، ويتجنب ترك الأدب فى حال بسطه، فإن القبض والبسط كالجناحين للطائر يطير بهما فى فضاء الملكوت، فإن غلب أحدهما فلا ينتظم الطيران.. إلهى أنت الباسط للقلوب بشهودك، والباسط للأجسام بجودك فتجل لنا بنور اسمك الباسط حتى تظهر أنواره على جوارحنا.