في آخر شهر رمضان، طرق أحدهم باب شقتي، ولما فتحت وجدت شخصين أحدهما صبي، قالا كل سنة وانت طيب، أدركت من ملبسهما أنهما المسحراتية، كانوا يرتدون ملابس صنعت خصيصا لتكون نوعا من الفولكلور وكان يرتديا طربوشين، نقدتهما بعض النقود حيث انتهت عادة قبولها بعض الحلوى والكعك.
عرف العرب والمسلمون المسحراتي منذ ما يزيد على ألف عام واستمر كأحد أبرز مكونات الصورة الرمضانية المحببة لكل الناس. قصة المسحراتي طويلة بدأت منذ العصر الإسلامي الأول أيام زمن الرسالة عندما كان بلال يؤذن قبل موعد السحور لتنبيه الناس لكي يتناولوا طعامهم وعندما يحين موعد الإمساك كان صحابي آخر يؤذن لكي يتوقف الناس عن تناول الطعام وكان القصد ان يفرق الناس بين الصوتين حتى يتبينوا موعد بدء تناول الطعام وموعد الانتهاء منه.
يكتسب المسحراتي لقبه من – السحور – وهو الشخص الذي ينبه الناس لموعد تناولهم السحور قبل آذان الفجر.
وقد تطورت شخصية المسحراتي عبر التاريخ حسب الزمن الذي يوجد فيه، ولم يعد يقتصر دوره على القيام بالآذان، خاصة بعد اتساع مساحة الدولة الإسلامية وانتشار ربوعها.
وفي عهد الدولة العباسية تولى أحدهم ولاية مصر فلاحظ أن الناس لا تميز وقت السحور وربما يفوت الوقت ولا يتناولون الطعام فقام بنفسه بدور المسحراتي وكان يطوف بالمدينة – الفسطاط والعسكر – ويوقظ الناس.
وبعد ذلك قرر والي آخر ان يقوم الجنود بطرق الأبواب لإيقاظ الناس لتناول السحور.
استمر المسحراتي يلعب دورا مهما في شهر رمضان وكان يعرف الأهالي بأسمائهم وفي العصر الحديث بدأ يدون الأسماء لكي ينادي على كل منهم فردا فردا خاصة الأطفال، فيحرص الأطفال على السهر حتى يتجول المسحراتي وينادي على كل منهم باسمه فيبتهج ويسيرون وراء المسحراتي جماعات كنوع من المؤازرة في مهمته المحببة.
في ستينات القرن العشرين كتب الشاعر المشهور فؤاد حداد ديوانا كبيرا عن المسحراتي ضمنه أشعارا بديعة بعدما استخدم ما يتداوله المسحراتية والناس في الشوارع وقننه في ديوانه الذي صار مرجعا مهما وأساسيا في تأريخ مهنة المسحراتي.
وقد تعاون حداد والملحن الكبير سيد مكاوي لغناء وتلحين بعض أشعار المسحراتي فخرجت في صورة رائعة وكانت تذاع في البداية في الراديو وصورها التلفزيون بعد ذلك وكان المشاهدون يحرصون على متابعتها لما تتضمنه من تشويق وأداء متميز لسيد مكاوي.
عاش المسحراتي ما يزيد على ألف عام محتفظا بمكانته لدى الناس وصورته ضمن صور الشهر الكريم رغم ما جد من وسائل تسهل على الناس معرفة مواعيد السحور والإمساك ويمكنها إيقاظهم بدون الحاجة إلى المسحراتي، لكن استمرار المسحراتي يعني استمرار رغبة الناس في وجوده كمعلم وملمح من معالم وملامح رمضان.