كان الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب يؤمن بأن التواجُد الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط مهم وضرورى ولابد منه، فالمصالح الأمريكية تدعوه للوجود بكثافة وعلى كل الجبهات سواءً فى البحر العربى أو البحر الأحمر أو البحر المتوسط أو فى داخل عدد من الدول الصديقة أو فى قواعد عسكرية أو فى مراكز قيادة.. لكن منذ تولى الرئيس جو بايدن رئاسة أمريكا تم تغيير الاستراتيجية الأمريكية تجاه التعامل مع قضايا الشرق الأوسط وتم -على فترات- سحب القوات الأمريكية من مناطق عديدة فى الشرق الأوسط، ودعا «بايدن» لذلك فى عدد من خطاباته ومؤتمراته الصحفية، ويوماً بعد يوم ونتيجة لتغير الأحداث وتبدُّل المواقف عادت القوات الأمريكية مرة أخرى تباعاً إلى مواقعها القديمة، وخلال فترة قصيرة زادت أعداد القوات بنسبة تفوق الأعداد التى كانت عليها خلال فترة الرئيس ترامب، بل جاءت حاملات الطائرات الأمريكية واستقرت فى المنطقة وحضر كبار القادة الأمريكان ومنهم وزير الدفاع لويد أوستن مرات عديدة خلال وقت قصير، وحضر قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكى، ومسئولون كبار فى الأمن القومى الأمريكى والخارجية الأمريكية أصبحوا ضيوفاً دائمين فى المنطقة.
إذن -على ما يبدو- حالة (اللا استقرار) فى منطقة الشرق الأوسط ستستمر لفترات قادمة، فالذرائع -غير المقنعة- جاهزة، والحجج - غير المفهومة- متوفرة، والأسباب -غير المنطقية- معلنة، والأطماع لا تخفى على أحد، والتلاكيك نراها بأعيننا، والتفاهمات واضحة وضوح الشمس، والاتفاقيات تُجرى «على عينك يا تاجر»، والشد والجذب يبدو لنا جميعاً أنه مُتفق عليه، والهدف ظاهر للجميع.. هم يريدون إيقاع المنطقة بأكملها تحت سيطرتهم، المنطقة بدولها وثرواتها وبترولها وغازها وأرضها وقرارها السيادى، يريدون تسخير المنطقة بأكملها لخدمة مصالحهم فقط، وبالتالى خدمة مصالح إسرائيل وأطماعها وليكن ما يكون، وليقع ما يقع، وليُقتل من يُقتل، وليُشرد من يُشرد، وليضع ما يضيع.
من يظن من دول المنطقة أنه بعيد عن الأمواج العاتية القادمة الخادعة -والتى من الممكن إن تُطيح بالدول الصديقة لهم قبل الدول التى تتصدى لهم- مخطئ ولا يحسبها «صح» وليس لديه تقدير موقف صائب، فالكل مستهدَف، مستهدَف فى أمنه واستقراره، والطمع فى كل ما تملكه دول المنطقة لا حدود له، هناك دول ستكون مخلب قط لتحقيق الأطماع، هناك دول ستكون أداة لإحداث انقسام فى المنطقة، هناك دول سيتم تسخيرها لخدمة هذه الأطماع، هناك دول سيتم مص دم شعبها، هناك دول سيتم تقسيمها وتفتيتها، وهناك دول سيتم الصعود على ظهرها لكى يتم تنفيذ المخططات.. وبطبيعة الحال: (حالة اللا استقرار) هذه ستنعكس على دول المنطقة بأكملها سياسياً واقتصادياً وسياحياً وأمنياً.
لا مفر من اللجوء إلى المنظمات الدولية لكشف حالة التمادى فى التعدى على القانون الدولى لحفظ حقوق الدول، لا بديل عن اللجوء للأمم المتحدة ومجلس الأمن لكى يكونا شاهدين على أى اختراق للأمن القومى لدول المنطقة وعدم احترام حق الشعوب فى تقرير مصيرها وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، وحتى لو كان هذا اللجوء صورياً وغير مُجدٍ فى بعض الأوقات فإن العالم بأسره شاهد على مثل هذه الاختراقات وسيأتى اليوم الذى تتحرك فيه القوى العظمى الأخرى المناوئة للوقوف ضد التجاوزات التى ترتكبها القوى الأكثر تسلطاً والأكثر تجاوزاً.