فجأة، وبعد طول تفكير وانشغال بإشكالية حضور الفساد في مؤسسات الدولة، وسبل القضاء عليه، وكيف يمكن أن تتضافر جهود كل الأجهزة الرقابية لمكافحته، وما هو الدور الذي يجب أن يقوم به المواطنون في هذا الصدد، وجدت نفسي وأنا أطالع جريد الوطن الصادرة الثلاثاء 26 مايو الجاري، أصرخ بعبارة نيوتن الشهيرة وجدتها، وحلها المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء.
فقد وجدت في منتصف الصفحة الأولى للجريدة، تقريرا عنوانه ( محلب للمستثمرين: اللي يشوف فساد يبلغنا). وأسفل منه كتب أحمد غنيم ومحمد عمار: " التقى المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء، أمس، ممثلي الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، وقال خلال اللقاء: " إن رجل الأعمال الذي يقبل فسادا أو ابتزازا يكون هو الفاسد، ويريد أن يعيش في مناخ فاسد، وأي حالة فساد تواجهكم، أبلغوا عنها فورا ".
إذن، وجدتها، وقد حلها رئيس الوزراء؛ فمما لا يخفى على أحد، أن من أهم أسباب شيوع مظاهر الفساد حولنا، من رشوة، واستغلال نفوذ وسلطة لتحقيق منافع شخصية، وتبديد وإهدار للمال العام، بعد انعدام الضمير بالطبع، سببين اساسيين:
السبب الأول، رغبة المواطنين في إنهاء مصالحهم وأعمالهم، بأي وسيلة، وإحساسهم بعدم جدوى المواجهة الفردية، التي لن يجني منها إلا تعطيل أعماله، واهدار وقته وجهده، بلا جدوى أو طائل لأن الفساد أصبح منظومة متكاملة في معظم المؤسسات، وتحول لشبكة عنقودية متشابكة، يتبادل الجميع فيها المصالح، وتقسيم الأدوار تحت قاعدة: نفع واستنفع.
السبب الثاني، وهو الأكثر أهمية، لأنه يحمل شبة اتهام للدولة والأجهزة الرقابية، هو تخوف المواطن من الذهاب بشكواه إلى الأجهزة الرقابية، ولسان حاله: يعني هما مش على علم بهذه السلوكيات وحالات الفساد، التي يتحدث عنها القاصي والداني. ومنتظرين أني أقولهم عليها. يا عم الناس دي محميه وواصله، ومفيش حد يقدر يقرب منها. ثم ينكفئ على نفسه، وهو يعلن سخطه ونقمته ليل نهار عن دولة الفساد السرية، وفساد الدولة، التي ترى كل ذلك وتسمح به، مع وجود كل هذه الأجهزة الرقابية.
ولهؤلاء، ونحن منهم نقول: حلها رئيس الوزراء، وصرح: " اللي عنده معلومات عن حالة فساد يبلغنا، لأن أخطر ما نواجهه في مصر، هو الفساد الإداري".
انطلاقا من هذا يمكن أن نستنتج أن الدولة مشكورة، قد أخذت على عاتقها أن تمنع وتكشف وتردع الفساد والفاسدين، وفقا لاستراتيجية مكافحة الفساد التي ستنفذها حتى نهاية 2018. وهي تطالب من المواطنين أن يدركوا أن منع الفساد والقضاء عليه، مسؤولية تحتاج إلى مشاركة مجتمعية.
وبالتالي فلا حجة لأحد بعد اليوم على الدولة وأجهزتها الرقابية، لأن أنانية المواطن حينا، وسلبيته في أغلب الأحيان، وعدم مبادرته لتقديم معلومات إلى الأجهزة الرقابية حول حالات الفساد، لكي تقوم انطلاقا منها بالتحري حول الأمر، هي التي سمحت بتوحش الفساد في مصر.
ولكن يجب على الدولة، إن أرادت أن ينجح ذلك، أن تبني جسور الثقة بين المواطن والدولة والأجهزة الرقابية، وأن تثبت صدق نيتها في هذا الأمر، عبر اتخاذ اجراءات صادقة واساليب رادعة تقلل على المدى القريب والمتوسط، من حجم الفساد، ولا نقول القضاء عليه تماما؛ لأنها في النهاية، هي الجهاز التنفيذي الذي يملك ويعرف كل أبعاد المشكلة وآليات حلها.