منذ أسبوع بدأت تتسرب للناس فى المحلات لوازم واحتياجات رمضان، من الطرائف أن الشعب المسلم فى مصر يواجه الصوم الذى يعنى قهر شهوة الطعام والامتناع عن تناوله من الفجر للمغرب بزيادة كميات الطعام التى يتناولها فى هذا الشهر بثلاثة أضعاف الكمية التى يتناولها فى غير الشهر الكريم، ثم إنه يستعد له قبل بدئه بأسبوعين دلالة على سلامة التفكير الاستراتيجى المستقبلى!
الحكومات المتتابعة منذ زمان أولت من جهتها دائماً لهذا الشهر اهتماماً خاصاً دون بقية العام, ربما كان ذلك خوفاً من غضب الجوعى بالنهار أو ربما إيماناً وانتظاراً لثواب وحسنات ودعوات! ولكن الذى لاحظناه دوماً هو ارتفاع الأسعار فى بدايات كل شهر كريم.
رمضان فى حقيقة الأمر وأصله شهر من أصل مصرى خالص، سواء بطقوسه الأصلية أو بتلك التى استجدت مع الفاطميين وعصر المسلسلات والفوازير!
يرى بعض الباحثين أن كلمة صاو الهيروغليفية بمعنى امتنع أو كبح، وحرف الميم هو بمعنى من أو عن هى أصل كلمة «صوم من» أو «صوم عن» (طعام أو شراب أو كلام) وقد كان لدى قدماء المصريين نوعان مختلفان من الصيام أحدهما لكهنة المعابد وآخر للشعب وإن اتفقا فى أن الصوم هو الامتناع التام عن الطعام والشراب ومعاشرة النساء ويبدأ من طلوع الشمس وينتهى بغروبها، وكان على خادم المعبد قبل أن يلتحق بالمعبد أن يصوم مدداً تتراوح بين سبعة أيام متتالية من غير ماء، ويمتد هذا الصوم إلى اثنين وأربعين يوماً، ويبدأ الصوم بالامتناع أولاً عن تناول اللحوم والنبيذ لمدة عشرة أيام وخلال هذه المدة يتلقى التعاليم الدينية والتدريبات على المهام المقدسة.
أما صيام الشعب فكان مرتبطاً بأعياد مهمة كمواسم الحصاد وجنى المحصول ووفاء النيل، ثم كان هناك نوع ثابت لمدة أربعة أيام كل عام تبدأ بحلول اليوم السابع من الشهر الثالث من فصل الفيضان، وكان هناك نوع آخر لمدة سبعين يوماً يمتنع فيها المصرى عن كل الطعام ماعدا الخضر والماء! وكان الصوم تقرباً للإله لكى يزيد الخيرات والرزق الوفير ولذلك اقترن بالمعابد والكهنة وكذلك بمواسم الحصاد، ثم إنه كان أيضاً تقرباً لأرواح الموتى، وإرضاء وتضامناً ومشاركة لهم فى الموت الذى ألم بهم!
والملاحظ من هذا أن الأساس الذى تقوم عليه فريضة الصوم عند كل من المسلمين والمسيحيين هو من أصل مصرى واحد، فطقوس مثل امتداد الصيام من الفجر للمغرب، والامتناع عن تناول اللحوم، والصوم لمدة سبعين يوماً، والاكتفاء بالخضر والماء كل هذه قرائن تؤكد أن أصل الصيام الإسلامى والمسيحى وجوهرهما مأخوذ فى بداية الأمر من مصر القديمة وإن اختلفت التفاصيل.
ثم كان عرب الجزيرة الوثنيون يصومون بالامتناع عن الطعام والشراب وممارسة الجنس، وإن أضافوا الامتناع عن الكلام.
القرآن الكريم يؤكد أن الصوم قديم «كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» وكان عبدالمطلب جد الرسول، الذى رباه بعد وفاة والديه، يقدس شهر رمضان خاصة ويعظمه ويلزم فيه غار حراء، ويتحنث فيه، ويتصدق، ويطعم الطعام، وكان زيد بن عمرو (عم عمر بن الخطاب رضى الله عنه) يقدس نفس الشهر ويتعبد فيه بل إن عرب الجاهلية كانوا يقدسون رمضان ويتعبدون فيه، وكان الصابئة الذين يتبعون النبى إدريس المصرى يصومون رمضان ثلاثين يوماً، من قبل طلوع الشمس إلى غروبها، قد تنقص إلى تسعة وعشرين يوماً تبعاً لهلال القمر! وكانوا كما قال بن الجوزى يختمون صومهم هذا بالصدقات والذبائح، ثم إن بعد هذا الصوم مباشرة.. عيد.
الحقيقة أن مصر هى الأصل.