كتاب " بردة النبي .. الدين والسياسة في إيران "، لمؤلفه الإيرانيروي متحدة، الأستاذ بجامعة هارفارد، والذي قام بترجمته إلى اللغة العربية المفكر اللبناني الدكتور رضوان السيد، وصدر عن المركز القومي للترجمة عام 2004،كتاب جدير بالقراءة،يدخل بموضوعه وأسلوب معالجته لقضاياه في مجال الدراسات الثقافية، ويبتعد عن سبل الدراسات السياسية والاجتماعية التقليدية.
يتناول الكتاب الدين والسياسة في إيران قبل ثورة الخميني وبعدها، ويوضح كيف استطاع السياسيون المتدينون الذين وصلوا إلى السلطة بالثورة، تطويع الدين لخدمة أغراض سياسيةهي أبعد ما تكون عن الدين. ويعرض بعد ذلك للآثار السياسية والثقافية المأساوية، التي خلفها حكم الملالي ورجال الدين على واقع وشخصية وثقافة إيران.
والكتاب وثيق الصلة بمسار وتطور الأحداث في مصر، عبر السنوات الأربع الماضية؛ حيث يوضح لنا المصير الأسود الذي نجونا منه، عندما نجحنا بثورة 30 يونيو، في التخلص من حكم الإخوان المسلمين، وحلفائهم السلفيين والجهاديين، الذين رأينهم في مؤتمر نصرة سوريا بإستاد القاهرة، قبيل ثورة 30 يونيو، يُظهرون وجهًا دينيًا أصوليًا سافرًا للدولة المصرية، يتعارض مع روحها، وتاريخها، وثقافتها.
وهو المؤتمر الذي أثار مخاوف الوطنيين في كل مؤسسات الدولة، وبين جموع الشعب المصري، ودعاهم للخروج في 30 يونيو للثورة، واسترداد الدولة، التي أصبح استمرار جماعة الإخوان في حكمها يهدد أمنها ووحدتها، حاضرها ومستقبلها، وثقافتها وهويتها.
وقد توقفت كثيرًا في هذا الكتاب، عند موقف ومصيرالمثقفين والمهنيين الإيرانيين، أبناء الطبقة الوسطى، الذين شاركوا في ثورة 1979، واعتبروها ثورتهم الخاصة، وحلموا من خلالها بتحقيق رؤاهم السياسية والإصلاحية التي تكونت لديهم نتيجة تعليمهم الراقي، ودراسة بعضهم في الغرب،ولكن ما سرعانما كشف لهم الواقعالحقيقة المرة، وبين لهم حجم الخديعة التي تعرضوا لها من شركائهم في الثورة، بعدما شرعت السلطة الجديدة في التأسيس لنظام ديني إسلامي بديلًا لنظام الشاه، يديره الفقهاء.
وحينما أظهر المثقفون والمهنيون من أبناء الطبقة الوسطى الإيرانية معارضتهم للنظام الجديد، تعرض بعضهم للتصفية والقتل، ولجأ بعضهم الأخر إلى السفر، والإقامة في المنافي البعيدة.
وعندئذ لجأت الطبقة الحاكمة الجديدة من رجال الدين، إلى مغازلة " البرجوازية الرثة " من خائبي الآمال، والشباب نصف المتعلم، واتخذت منهم الأتباع وأعضاء منظمات حراسة الثورة، وشكلت منهم نخبة جديدة تخدم وتحمي النظام الجديد، وترتبط به عقائديًا واقتصاديًا.
وهذا مصير أخر، نجت منه الطبقة الوسطى في مصر، بإسقاط حكم جماعة الإخوان، الذين كانوا يرون في نخبة الطبقة الوسطى العليا والمثقفة، صاحبت مشروع الدولة الوطنية المدنية الحديثة، وشركائهم في ثورة 25 يناير، عدوهم الأساسي، ولذا عملوا على إقصائهم وتهميش دورهم، ومحاولة تكوين نخبة جديدة مرتبطة بهم، عن طريق توجيه خطابهم الديني والسياسي للطبقة الدنيا الفقيرة، غير المتعلمة، ونصف المتعلمة، ولأبناء الطبقة الوسطى الدنيا، واللعب على مشاعرهم الدينية، واحتياجهم المادي، وطموحهم الطبقي والمهني، ليجعلوا منهم أنصارهم المخلصين، وحائط صدهم في مواجهة خصومهم.
وهنا يجب أن نتوقف، لنعرف أن خائبي الآمال هؤلاء، من أبناء الطبقة الفقيرة، والطبقة الوسطى الدنيا، لم يكونوا في معظمهم، ينتمون تنظيميًا إلى جماعة الإخوان، وهم من امتلأ بهم ميداني رابعة العدوية والنهضة، نصرًا في الظاهر للدين، ورفضًا لسقوط محمد مرسي وحكم جماعة الإخوان، ورفضًا في الباطن، لسقوط أحلامهم الشخصية في الترقي المادي والاجتماعي، التي نسجوها في ظل نظام حكمهم. وهم من حملوا بعد ذلك كراهية شديدة للمجتمع المصري، ولنظام الحكم الحالي، وتم تجنيد بعضهم في تنظيمات ترفع السلاح في وجه الدولة، وتقوم بما نشاهده من أعمال إرهابية.