لا يصدع قلوبنا شديد، وجمعنا لا يراع بتهديد، بقوة العزيز الحميد، اللطيف لا يهولنا تخويف، ولا يزعجنا ترجيف، إن عصيناكم فتلك طاعة، وإن قتلناكم فنعم البضاعة، وإن قُتلنا فبيننا وبين الجنة ساعة، قولوا لكاتبكم الذى رصف مقالته، وفخّم رسالته، ما قصرت بما قصدت، وأوجزت وبالغت، والله ما كان عندنا كتابك إلا كصرير باب، أو طنين ذباب، قد عرفنا إظهار بلاغتك، وإعلان فصاحتك، وما أنت إلا كما قال القائل: حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء. هكذا جاء رد «قطز» على رسالة «هولاكو» الذى هدد فيها بقرب دخوله مصر بعد أن أسقط التتار بغداد ودمشق وحلب ونابلس وبيت المقدس دون مقاومة، بعد أن روجوا لأنفسهم وذبحوا البشر واستباحوهم وأحرقوا المدن وهدموها. يقول «هولاكو» فى رسالته السابقة لـ«قطز»: «نحن جند الله فى أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حلّ به غضبه. فلكم بجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم، قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى، ولا نرقّ لمن اشتكى، وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب..».
هل يتفكرون؟!
بينما سلمت غالبية المدن العربية للتتار، صمدت مصر وجمع «قطز» «العسكر» بعد أن قتل رُسل «هولاكو» وقطع رؤوسهم وعلقها على باب «زويلة» وطلب من رجاله وهو يجهش بالبكاء أن يبذلوا أرواحهم فى سبيل إنقاذ الإسلام والمسلمين، فأخذ الجند والقادة يبكون وأقسموا على التضحية من أجل النصر.
خرج «قطز» ورجاله ليواجهوا التتار خارج مصر فهزموهم حتى استعادوا غزة والشام.
كانت غزوة وانتصرنا.
بدأ الأربعاء الأول من يوليو من العام الحالى ٢٠١٥ بفقدان ثقة وقلق انتقل إلى خوف وهمهمات بين المصريين «سيناء بتضيع» حتى انتهى اليوم بالنصر المبين.
عدونا كالتتار، جبان، اعتقد خطأ فى بطولة زائفة سببها خذلان من فرطوا فى أوطانهم، من نزعوا عنهم بدلاتهم العسكرية وهربوا، فاعتقد الغزاة أنهم منتصرون، روجوا كذباً وروجنا جهلاً، ارتعبنا لذبحهم الأبرياء وقطعهم الرؤوس، نسينا أن عدداً من المصريات فى الثمانينات احترفن قتل أزواجهن وتقطيعهم إلى أجزاء ووضعها فى أكياس للتخلص منهم بعيداً ربما برميهم بأحد المصارف أو صناديق القمامة، كان إعلامنا عوناً لهم نقل عنهم وروّج لبياناتهم حتى نهابهم أكثر ونحط من جانب جيشنا العظيم ونعتقد فى بساطة ضباطه وجنوده الشجعان.
- المصرى على اختلاف اتجاهاته وقناعاته بأداء السلطة، كان ما يحدث فى سيناء هو أول اهتماماته إن لم يكن الاهتمام الوحيد.
- سخط عام أصاب المصريين لتأخر المعلومات الرسمية فى مقابل اجتهاد لوسائل إعلام الإرهاب المعتدى.
- لا أعرف لمن يعود القرار بأن تبث الأغنيات الوطنية عبر الإذاعات، تتخللها دعوات بالنصر دون معلومة أو تحليل أو رسالة من مراسل ما أو شاهد عيان، لم نكن موفقين فى هذا على الإطلاق.
- تهللت الأسارير حين أعلن المتحدث العسكرى عن تحقيق النصر، عاد إلينا الفخر حين وصلتنا قصص عن الشهداء وعن الأبطال البواسل.
- كل ما أحيك ضد مصر إن لم ينجح فى انتزاع الأرض، نجح فى انتزاع كثير من الإيمان بقدرتنا على مواجهة أعدائنا، أعاده نصر أول يوليو.
فلتستعد الإذاعات لقص حواديت النصر بديلاً عن «الولولة» وليكف الإعلام عن نقل روايات الجبناء وقصص بطولاتهم المزيفة، ولتثق الدولة فى أبنائها أكثر، فكلنا جنود نجيد النيشان وإن لم يمسك أحدنا بالسلاح يوماً.