يطلع القارئ الكريم على هذه المقالة ثانى أيام عيد الفطر المبارك أعاده الله علينا جميعاً بالخير، لكن الإرهاب يأبى إلا أن يحاول إفساد حياتنا وتدميرها بكل السبل تنفيذاً لمخططات شوهاء شريرة تنطلق من فكره المريض والقوى الخارجية التى تحركه، ولعلنا قد لاحظنا مؤخراً المحاولات المستميتة التى يبذلها الإرهاب لتصعيد عملياته ليس فى مصر وحدها وإنما بامتداد الوطن العربى بل وعبر القارات، وقد كان نصيبنا فى مصر من هذه المحاولات اغتيال النائب العام رمزاً للمؤسسة القضائية التى تضطلع بدور حاسم فى مواجهة الإرهاب ومعارك سيناء الضارية الأخيرة التى توهم فيها الإرهابيون ومن وراءهم أن بمقدورهم أن يحاكوا إنجازات الإرهاب فى العراق وسوريا والاعتداء على القنصلية الإيطالية بالقاهرة لزعزعة ثقة المجتمع الدولى فى النظام المصرى وأخيراً محاولة فاشلة أعلن «داعش» مسئوليته عنها للهجوم بسيارة مفخخة على أحد التمركزات العسكرية بطريق القطامية - السويس، وظنى أن السبب الرئيسى فى هذا التصعيد الأخير أن قوى الإرهاب تدرك أنها تحارب معركتها الأخيرة رغم ما قد تتصور أنها تحققه من إنجازات، ففى كل يوم يمر يزداد الوضع الدولى لمصر رسوخاً سواء بسبب جهود قيادتها السياسية أو لافتضاح حقيقة الإرهاب فى دول التبس عليها الأمر حيناً وتصورت أن الإرهاب لا يعدو أن يكون تعبيراً عن معارضة سياسية ناجمة عن ممارسات غير ديمقراطية هنا وهناك، كما أن مهادنة الإرهاب بالنسبة للدول المتواطئة معه أصبحت أمراً محرجاً، ومن ناحية أخرى فإن الأيام المقبلة إن شاء الله سوف تحمل معها باكورة الجهود الصادقة التى تبذل من أجل إقالة مصر من عثرتها الأمر الذى من شأنه أن يحسن بالتدريج من حياة المواطنين ويزيد من ثم من صدقية النظام وقيادته وهو ما يمثل بداية النهاية للإرهاب، ومن المتوقع أن الإرهاب سيفعل المستحيل فى الأيام المقبلة من أجل استهداف مزيد من المواقع المهمة، وعلى رأسها المواقع السياحية لزيادة الصعوبات الاقتصادية والسفارات والقنصليات وكافة المؤسسات الدولية لزعزعة الثقة بالقدرة المصرية على حماية الأجانب ومصالحهم والنيل من الحلم المصرى المتمثل فى افتتاح قناة السويس الجديدة لتوجيه ضربة إحباط للمصريين.
ومن المؤكد أن القوات المسلحة المصرية وقوات الأمن تبلى بلاءً رائعاً فى المواجهة وتدفع من دماء أبنائها ثمناً غالياً للنصر، لكن الأمر لا يمنع من مراجعة نظم التأمين وكفاءة القائمين عليها، وأعلم أن الوصول بنظم التأمين إلى الوضع الأمثل يحتاج إمكانات هائلة لكن الأمر يمثل أولوية مطلقة، كذلك فإن نظم التأمين قد تكون سليمة، لكن القائمين عليها قد لا يتمتعون بالقدرات اللازمة أو يتوفر فيهم الانتباه الكافى لسلامة التطبيق، ولكيلا يساء فهمى فإن مشهد الجندى الشهيد وهو يدور حائراً حول السيارة المفخخة أمام مديرية أمن القاهرة قبل انفجارها بلحظات ما زال ماثلاً فى مخيلتى، ولم يعرف الرأى العام شيئاً عن أى نتائج يمكن أن يكون قد تم التوصل إليها بشأن احتمالات وجود تقصير فى نظام مراقبة محيط المديرية، كذلك مررت على سبيل المثال بالمصادفة على سور السفارة الإيطالية غير المطل على النيل فى جاردن سيتى بعد ساعات من التفجير الذى وقع أمام القنصلية الإيطالية بوسط القاهرة وكنت أتوقع وجود حالة استنفار أمامه فوجدته مؤمناً قرب نهايته وطوله لا يقل عن ثلاثين متراً بجنديين من ذوى الحجم الصغير يقف أحدهما خلف حاجز معدنى لن يقيه خطر هجوم جانبى مفاجئ خاصة أن تسليحه عادى، أما الثانى فكان جالساً على كرسى إلى جوار زميله يتعامل مع تليفونه المحمول، ويمكننى أن أضيف أن إجراءات تفتيش حقائب السيارات فى الأماكن التى يتم فيها ذلك تتم بصورة شكلية للغاية، كما أنه باستثناء المؤسسات السيادية وبعض السياحية فإن نظم التفتيش الإلكترونى لا يتم تفعيلها وهكذا، ولا أريد أن أرتدى ثوب الخبير الأمنى، لكنى أعتقد أن الاستماع بشكل ممنهج إلى آراء المواطنين بشأن ملاحظاتهم على الأداء الأمنى وتطويره سوف يكون مفيداً، كذلك لا شك أننا بحاجة ماسة إلى استكمال كشف البنية التنظيمية للإرهاب وقد حققت قوى الأمن إنجازات لافتة فى هذا الصدد سوف تكون آثارها حاسمة فى التعجيل بهزيمة الإرهاب عندما يتم استكمالها، ولا مانع هنا من الاستعانة بكافة الخبرات الأمنية المتميزة فى مجال مواجهة الإرهاب الموجودة خارج الخدمة على سبيل المشورة، ومن المهم للغاية أن نعمل على إنتاج أفكار مبدعة بشأن مواجهة تكتيكات الإرهاب وأساليبه فى مجالات مثل حماية أبراج الكهرباء وخطوط السكك الحديدية وما إلى هذا.
ويبقى أخيراً أن مواجهة الإرهاب تحتاج حاضنة شعبية وهى موجودة بحمد الله، لكن الدعاية المسمومة موجودة أيضاً ولا بد أن يكون الرد عليها فورياً وشاملاً وحاسماً ومستنداً إلى أساس فكرى سليم وهنا تثور قضايا الخطاب الدينى والإعلام وهى قضايا شائكة تحتاج اهتماماً فائقاً، كما أن كافة الممارسات الخاطئة فى مواجهة الإرهاب يجب أن تتوقف، وكلها قضايا لا يسمح الحيز الحالى بتناولها وقد تكون موضوعاً لمقالة مقبلة ومناقشتها تملأ الساحة السياسية المصرية على أى حال.