يستقبل المصريون والمحبون للمصريين بعد أيام قليلة، وبالتحديد يوم الخميس المقبل، السادس من أغسطس 2015م يوماً أغر فى تاريخهم يشهده كثير من قادة العالم ونخب من شعوبه وقبائله لمباركة المصريين نجاحهم ليس فى إنفاذ مشروع قناة السويس الجديدة، الذى تم بفضل الله وبرحمته فى أقل من عام بتمويل مصرى وبإدارة مصرية، وإنما فى تشغيل هذا الخط الجديد والإعلان عن مستقبل الاستثمار فى العالم على ضفاف القناة وكأننا نجدد تفسير قول الله عز وجل: «اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ» (البقرة: 61)، كما نعيد دراسة معنى خزائن الأرض التى اختصها الله تعالى لمصر وجعل ظهورها مرهوناً بصفتى الأمانة والعلم، كما قال سبحانه على لسان يوسف عليه السلام: «اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» (يوسف: 55)، وفوق ذلك فإن المصريين باحتفالهم التاريخى لافتتاح قناة السويس الجديدة يشكرون الله عز وجل ويحمدونه أن كتبهم من جيل القادرين على إفهام الناس شيئاً من معنى قول الله عز وجل: «ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ» (يوسف: 99).
مر المصريون بسنوات عجاف أمنياً واقتصادياً وأخلاقياً، والحمد لله أنها لم تطل ولم تتفاحل كما طالت وتفاحلت فى دول أخرى أو قريبة، وقد تعلمنا من الإيمان بالله أن تقلّب الأيام من السنن الكونية، وأن الابتلاء هو قدر الإنسان فى الدنيا، فقال سبحانه: «إن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ» (آل عمران: 140)، وقال سبحانه: «أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّـهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ» (العنكبوت: 2-3). كما تعلمنا من الإيمان بالله أن اليسر بعد العسر إن لم يكن معه، كما قال تعالى: «سَيَجْعَلُ اللَّـهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا» (الطلاق: 7)، وقال سبحانه: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» (الشرح: 5-6)، ونظراً لأن العسر ورد فى هاتين الآيتين بلفظ المعرفة فكان واحداً، بمعنى أن العسر الأول هو نفسه العسر الثانى بخلاف لفظ اليسر الذى ورد مرتين بصفة النكرة، فصار اليسر الأول مغايراً لليسر الثانى، كما ذكر ذلك الطحاوى فى «شرح مشكل الآثار»، وهذا ما يفسر الحديث الذى أخرجه الحاكم فى «المستدرك» عن الحسن قال: خرج النبى صلى الله عليه وسلم يوماً مسروراً فرحاً وهو يضحك وهو يقول: «لن يغلب عسر يسرين، فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً».
والمتأمل فى حياة سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وهو خير خلق الله وخاتم الرسل والأنبياء وأكمل البشر أخلاقاً وأول المسلمين إيماناً يراها فى منظومة سنن الكون بين الخوف والرجاء، وبين العسر واليسر، وبين الضيق والفرج، وبين الهزيمة والنصر، وبين الفقر والغنى، وبين الصحة والمرض، وكل ذلك يستقبله بمفاجأة القدر كسائر الخلق، فلم يكن محظوظاً بمعرفة الغيب الذى اختصه الله لنفسه، وإنما كان بشراً بين البشر الذين يسرى عليهم قضاء الله وقدره، كما قال سبحانه: «قل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ. إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» (الأعراف: 188).
وحتى يتفاعل الإنسان مع السنن الكونية المترددة بين العسر واليسر فقد خلق الله تعالى فى طبيعته البشرية خاصية الضحك والبكاء أو الفرح والحزن كما قال تعالى: «وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى» (النجم: 43)، والقيد الوحيد هو الترشيد بحيث يكون فرح الإنسان بالنعمة فى حدود الاستمتاع الحلال بها لتدفعه إلى الأخذ بالأسباب فى طلب المزيد دون غرور التوهم أنه فاعلها، كما قال تعالى عن قارون: «ِإِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ» (القصص: 76)، أى لا تظن أن نعمة الغنى صناعة بشرية من غير توفيق إلهى، كما قال تعالى: «وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ» (النحل: 53)، وبحيث يكون حزن الإنسان بالنقمة فى حدود التأثر بالابتلاء ليتزود بالدروس والعبر التى تقوى ظهره فيما يستقبل من زمان دون الإفلاس بالانهزامية والانسحاب من الحياة، كما قال تعالى: «مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ. لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» (الحديد: 22-23).
واتباعاً لهذا الإذن الشرعى فى الفرح عند اليسر والحزن عند العسر فرح الأنبياء والمؤمنون كما حزنوا، ففى جانب الحزن يقول سبحانه عن يعقوب عليه السلام: «وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ» (يوسف: 84)، وأخرج البخارى عن ابن عمر أن النبى، صلى الله عليه وسلم، بكى على موت ولده إبراهيم وقال: «تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب». وفى جانب الفرح يقول تعالى: «فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ» (الروم: 4-5)، وقال تعالى: «وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ» (الرعد: 36)، كما قال عن الذين قتلوا فى سبيل الله: «فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ» (آل عمران: 170).
ويحق للمصريين اتباعاً لأمر الله، وأسوة برسله والمؤمنين به، وانطلاقاً من الطبيعة البشرية السوية أن يتفاعلوا مع نعمة الله عليهم وتوفيقهم لإنجاز قناة السويس الجديدة بالفرح والاستبشار بفرج قريب، كما قال سبحانه: «نَصْرٌ مِّنَ اللَّـهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» (الصف: 13)، وقال تعالى: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّـهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» (يونس: 58). وفرح المؤمنين بالنعمة هو نوع من شكرها، والله تعالى يقول: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» (إبراهيم: 7)، كما أنه تعبير عن التحدث بها امتثالاً لقوله تعالى: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ» (الضحى: 11).
وليعلم المصريون أن حظوتهم عند الله بتكرار ذكر اسم بلادهم فى كتابه الكريم ومنزلتهم عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذى أوصى بهم أهل الأرض خيراً لا يمنعان شذوذ بعضهم فكرياً وسلوكياً عن الطريق المستقيم كشذوذ الذين مردوا على النفاق من أهل المدينة، ولم يخجلهم وجود النبى، صلى الله عليه وسلم، فيهم، كما لم يردعهم نزول الوحى الذى يفضح شأنهم، فتبلد إحساسهم تجاه بنى وطنهم حتى إذا فرح الناس بنصر أو إنجاز نعمة تطوعوا بتحقير هذا النصر أو ذلك الإنجاز لإطفاء الفرح بنعمة الله وتحويله إلى مأتم، وهذا ما وصفه القرآن الكريم بكفر النعمة كما قال تعالى: «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ. جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ» (إبراهيم: 28-29).
وينصحنا القرآن الكريم بخير علاج يحفظنا من شرور هؤلاء الشواذ عن الصراط المستقيم والذين بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر، كما يميتهم غيظاً، وهو الصبر والمضى قدماً فى الطريق المستقيم دون الالتفات إلى تفاهاتهم وأحقادهم، فقال سبحانه: «إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا. إِنَّ اللَّـهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ» (آل عمران: 120)، وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (آل عمران: 200).
فيا شعب مصر الكريم: سر على بركة الله فى طريقك إلى النجاح، واستجب إلى نداء الله لك بالفرح بفضله والتحدث بنعمه، وأعلن حمدك لله عز وجل أن جعلك من جيل من كتب لهم الفوز بنعمة التوفيق فى إنجاز قناة السويس الجديدة التى دخلت التاريخ إلى أبد الدهر.