طريقة نقل درع الدورى العام من النادى الأهلى إلى نادى الزمالك بعد فوزه بالدورى تنبئك عن جانب من جوانب المأساة التى وصلت إليها الأخلاقيات العامة فى مجتمعنا، وهو جانب لم ينجُ من الوقوع فى شركه الكثيرون، بغضّ النظر عن المستوى الاجتماعى أو الاقتصادى أو الثقافى أو المعرفى، ويتحدد فيما يمكن وصفه بـ«الأنانية المفرطة» من ناحية، و«الإهمال غير المحدود» من ناحية أخرى. الأنانية تعكس رغبة فى الاستحواذ، والاحتكار، ورفض فكرة تداول الأشياء بين البشر، رغم أن الله تعالى جعل «التداول» وانتقال الأشياء من يد إلى يد سنة من سننه الكونية: «وتلك الأيام نداولها بين الناس»، أما الإهمال فهو لسان حال الواقع العام فى مصر.
فاز نادى الزمالك هذا العام بدرع الدورى الذى احتكره النادى الأهلى سنين عدداً، وكان من الضرورى أن ينقل درع المسابقة عبر اتحاد الكرة إلى نادى الزمالك. انتظر «الأهلى» وصول مندوب الاتحاد، ولما تأخر فكر المسئولون به فى تسليم الدرع إلى «قسم الشرطة». جاء المندوب ومعه عامل تسلم «الأمانة» لينقلها إلى «الزمالك» فى مشهد شديد الإثارة تناقلت الصحف لقطات منه. المشهد أرضى مهاويس «الفانلة الحمراء»، وعكس قدراً لا بأس به من الإهمال، المشفوع بقدر أكبر من الأنانية. فإدارة الأهلى تعلم أن التحيز الأعمى من جانب المشجعين هو السبوبة التى يرتزق منها النادى بما يتبعه من مؤسسات وأقلام وقنوات، لذلك لم تجد بأساً فى مكايدة «الزملكاوية»، فسمحت بإرسال الدرع مع عامل نظافة إلى نادى الزمالك، بعد أن كادت تسلمه للنادى المنافس على يد مُحضر. كل الاحترام بالطبع للعامل الذى أدى المهمة التى كُلّف بها، فقد قيل له افعل كذا ففعل، التزاماً بلقمة عيشه، لكن الكارثة الحقيقية تكمن فى العقل الذى سمح بإخراج المشهد على هذا النحو، سواء من النادى الأهلى أو من اتحاد الكرة.
لقد كان من أهم حسنات ثورة يناير 2011 أنها صرفت الكثيرين عن الاهتمام بالكرة، بعد أن بان للمصريين أنها كانت إحدى الوسائل التى استخدمها نظام «مبارك» فى تنويمهم وتخديرهم وصرفهم عن الاهتمام بقضايا الشأن العام، وحولتهم إلى مجموعة من المتعصبين الذين يفكرون بأعلى درجات الأنانية فيما هو تافه، فى الوقت الذى يهملون فيه بشكل عجيب ما يتعلق بالقضايا الأخطر والأهم والتى تهدد حاضرهم ومستقبلهم. وللإنصاف فإن هذه الآفة تعود إلى تاريخ أسبق من فترة حكم مبارك، لكنها استفحلت فى عصره، وسعى النظام السياسى إلى تغذيتها والاعتماد عليها كوسيلة لإلهاء الناس.
إن كرة القدم -بصراحة وبلا مواربة- تكاد تكون سبباً من أسباب التردى العام فى المجتمع المصرى، لأنها دفعت البعض إلى استبدال رأسه بـ«الكرة»، وأنت تعلم أن الكرة «منفوخة» بالهواء، وكذلك عقل من غاص فيها بلا داع ولم يضعها فى نصابها كمجرد أداة من أدوات التسلية. العقول المنفوخة مثل «الكورة» تسوق أصحابها إلى حالة من حالات الفراغ الفكرى والعقلى، وتؤدى إلى أفعال من هذا النوع الذى يشبه «الإسهال اللا إرادى»، وهو مرض يصح العلاج منه!