لا يستطيع أحد أن يراهن على أن البيان الأخير الذى صدر عن «الإخوان» ودعت فيه القيادات شباب الجماعة إلى الانخراط فى الحياة السياسية، يعكس رغبة حقيقية فى تغيير المواقف أو تعديلها. من المؤكد أن هناك من يتفهم داخل الجماعة الأخطاء الكبرى التى وقعت فيها أثناء حكمها للبلاد، وربما كان هناك من يستوعب أن النهج الذى سلكته الجماعة بعد 30 يونيو لم يثمر فى الواقع شيئاً، بل أضاف المزيد من الخسائر إلى الجماعة، لكننى بحال لا أستطيع أن أخلص من هذا البيان إلى أن «الجماعة» ككل سوف تترك العنف بشكل كامل، وترضى بالأمر الواقع، وتتخلى عن مطالبها الطوباوية التى رفعتها بعد الخروج من الحكم، ربما ميز ذلك أداء عناصر من الجماعة، لكنه لن يصبح تياراً عاماً وسائداً بين أعضائها ككل، على الأقل خلال الفترة الحالية.
مشكلة الجماعة أنها تحركت بعد 30 يونيو من مقدمة خاطئة تذهب إلى أن ما حدث فى مصر لم يكن إلا عملية نزع للسلطة من بين أيديهم بالقوة القاهرة، ولم يتفهموا أن القوة التى يتحدثون عنها لم يكن بمقدورها أن تتحرك إلا برغبة شعبية عارمة وواضحة، تدعوها إلى القيام بالخطوات التى قامت بها، لقد ظلوا يكذبون على أنفسهم «كذبة» أن الشعب لم يتحرك ضدهم وأن ما حدث فى 30 يونيو كان مجرد ألعوبة من ألاعيب التكنولوجيا، وصدقهم شبابهم، وعاموا على عوم القيادات، ودخلوا فى تحدٍّ لسلطة 3 يوليو التى دعمها الشعب بقوة وفوضها للتعامل مع تهديدات الإخوان، فكانت النتيجة أن اكتسبت شرعية، لفض رابعة والنهضة، ليسقط العديد من الضحايا، نتيجة الأوهام التى زرعتها القيادات فى رؤوسهم، ونتيجة لإحساس القائمين بالفض بأن لديهم تفويضاً من الشعب لإنهاء المشهد بأى ثمن.
المأساة التى حدثت زرعت داخل عدد من شباب الجماعة فكرة الثأر، وفكرة مخاصمة المجتمع، والدخول فى صراع عنيف مع السلطة، كان الخاسر فيه هو الجماعة أيضاً، لأنه ليس من العقل أو المنطق أن تظن جماعة أن بمقدورها مواجهة أجهزة وإمكانيات دولة، لذلك من الصعوبة بمكان أن ننظر إلى البيان الذى صدر مؤخراً عن الجماعة والدعوة التى يحملها للشباب بالانخراط فى الحياة السياسية، بعيداً عن «المناورة السياسية»، على المجتمع من ناحية، وعلى شباب الجماعة نفسها من ناحية أخرى، فهذا الشباب لن يقبل بحال الانخراط فى حياة سياسية يعتبرها غير موجودة فى الأصل. البيان لا يعدو أن يكون محاولة تسعى القيادات من خلالها إلى غسل يديها من أعمال العنف التى يقوم بها الشباب، لخدمة أهداف معينة، جوهرها تحسين صورة الجماعة على المستوى الخارجى. لو كانت قيادات الإخوان جادة فى تصحيح مسار الجماعة لبادرت هى نفسها إلى احتواء شبابها، والاعتراف أمامهم بأنها أوردتهم موارد السوء، بسبب ضحالة رؤيتهم السياسية، وتعاميهم عن السبب الحقيقى الذى أدى إلى خروجهم من دائرة السلطة، والمتمثل فى غضب الشعب عليهم، جراء ما أثبتوه من عدم قدرة على النهوض بعبء دولة بحجم مصر، ثم سعيهم المحموم لخداع الشباب، والدفع بهم فى أتون المعركة على «كرسى السلطة»، رغم أنهم كانوا أحوج وقتها إلى «كرسى اعتراف»!.