أبدأ من آخر الحكاية.
ربما لأن فرح الخواتيم كان مفاجئاً بالنسبة إلى مشكلات البدايات.
عند بداية الانتخابات غرقنا فى بحيرة عدم الإقبال. التى سمّاها خصوم أيامنا إنها مقاطعة من الشعب المصرى. وبعيداً عن الخصوم والأعداء والأباعد وما يقولونه، لا بد من دراسة تراجع الإقبال على التصويت. ذهبت إلى لجنة انتخاباتى بمدينة نصر. فكنت الناخب الوحيد فى القاعة. وافتقدت الطوابير والزحام حول اللجان.
لدينا مراكز للبحوث الاجتماعية والسياسية والاستراتيجية. ومن المفترض أن فى مصر أجهزة لقياس الرأى العام. ولا بد من معرفة لماذا تراجع الإقبال هذه المرة؟ سينعكس التراجع على شرعية البرلمان. فإن كان الحضور يمثل فى متوسطه 25% ممن لهم حق التصويت. فإن معنى هذا أن البرلمان سيُعد معبراً عن نسبة أقل من المصريين. قانون الانتخابات مشكلة. عرفت أنه سيُستخدم هذه المرة فقط. وسيتم تعديله بمعرفة البرلمان المقبل. اختلاف أعداد النواب الذين يصوّت لهم الناخب من دائرة إلى أخرى أحدث حالة من البلبلة. من قبل كنا نذهب إلى لجان الانتخابات من الإسكندرية حتى أسوان لنعطى أصواتنا لمرشحين فقط. هذه المرة اختلفت الأمور. دائرة الأصوات فيها لمرشحَين. ودائرة أخرى الأصوات لثلاثة. فضلاً عن أن القوائم شكّلت متاهات أمام الجماهير.
زحام المرشحين كان محيراً بالنسبة لى. لأن الإقبال على الترشُّح ودخول المعركة والإنفاق غير العادى على الدعاية. لم يصحبه إقبال جماهيرى. أى إن كل مرشح لم يأتِ بناخبيه معه. أو لم يدفع من يريدون التصويت له للحضور. فأصبحنا أمام انتخابات غريبة. مرشحون بلا حدود، أرقام فلكية تفاوتت أى أرقام لأعداد المرشحين. لكن عند الكلام عن الناخبين، فإن الأرقام تراجعت بعكس المرشحين.
وقبل اجتماع البرلمان وانعقاد جلسته الأولى. فوجئنا باستقالة اللواء خالد الصدر من منصب الأمين العام للمجلس. وقبل المستشار مجدى العجاتى، وزير الشئون القانونية ومجلس النواب، استقالته. لأنه لا يحمل درجة الليسانس فى الحقوق. وهو شرط لتولى المنصب. ومرة أخرى نجد أنفسنا فى مواجهة عشوائيات عند المستويات العليا فى الإدارة. فإن لم يكن يحمل ليسانس الحقوق. فكيف عُيّن واستمر سنوات؟ ثم هل من المعقول قبول استقالته أو إقالته قبل انعقاد البرلمان بأيام؟ والأمر يتطلب معرفة بالعمل الإدارى والوجه الآخر للبرلمان الذى يكتفى بالفُرجة عليه. مع أن وراء المشهد الذى نراه قدراً كبيراً من الإجراءات الروتينية المهمة.
لا أحب أن أستبق الأمور وأقول إن البرلمان المقبل سيعانى من مشكلة أنه حتى الآن برلمان بلا معارضة. والمعارضة جناح أساسى فى العملية السياسية. ولو لم توجد لا بد من اختراعها. لأنها ربما كانت أهم من قوى الموافقة. فكلمة «لا» عزيزة وغالية. وهى شهادة فعلية لفكرة الديمقراطية.
وليت الأمر توقف عند المعارضة. فإن الأغلبية تواجه مأزق أن تكون أغلبية. وأن تعبر عن التضاريس الروحية والسياسية للمصريين الآن. وهذا ليس مأزق الأغلبية. لكنه مأزق البرلمان جميعه. فقيمة أى برلمان فى العالم أن يعبر عن الشعب الذى انتخبه، تعبيراً دقيقاً وواضحاً.
مشكلات البرلمان تبدأ من الأمين العام الذى ترك عمله وتصل إلى رئيس البرلمان. فقبل أن يكتمل البرلمان بدأنا نتكلم عن رئيسه. وكأن الأمور تفصيل. أو سابقة التجهيز. أو أنه سيصدر قرار سيادى باختيار هذا البرلمان. وعلى الأعضاء أن يبصموا على هذا الاختيار ويباركوه، كما كان يحدث من قبل.
هناك أسماء رُشّحت فى المقدمة، منها المستشار عدلى منصور. بل سمعنا أن بعض الائتلافات تفكر فى تشكيل وفود للذهاب إلى عدلى منصور لإقناعه بقبول رئاسة البرلمان. مع أن البديهيات تقول إن على البرلمان أن يكتمل، ثم يعقد جلسته الأولى التى يترأسها أكبر الأعضاء سناً. ثم يتم انتخاب رئيس البرلمان ممن تقدموا للترشح.
وعندما نعرف أن عدلى منصور لم يرشح. ودخوله البرلمان يعنى أنه قد يكون ضمن المعينين، فالمسألة تتعدى حدود التساؤلات. يقولون لك إن رئيس البرلمان لا بد أن يكون قانونياً، باعتبار أن البرلمان مصنع للقوانين. وإن كنت أتصور أن المسألة إدارة وسياسة قبل الإلمام بالقانون، وأن مثل هذا البرلمان يحتاج إلى قيادة حاسمة صارمة تستطيع أن تضع الأمور فى نصابها، وإلا قد لا يحدث ما لا يحمد عقباه.
أسرفت فى التشاؤم. تعالوا نتكلم قليلاً فى ما يدفع للنفس قدراً من التفاؤل نحن فى أمس الحاجة إليه. نجح فى الانتخابات ولأول مرة فى تاريخ مصر 72 امرأة. من قبل كان رئيس الدولة يعيّن عدداً كبيراً من النساء، لأنه كان من المستحيل أن تدخل البرلمان امرأة منتخبة. ها نحن فى مواجهة وضع ليس له سابقة من قبل فى تاريخ البرلمانات المصرية. وعندما نعرف أن الرئيس سيُعين 14 امرأة. فهذا معناه أنه سيكون فيه 86 امرأة. وهو رقم ضخم إذا قورن بما كان. ولكن لأن المرأة نصف المجتمع. فأتمنى أن تستمر بنا الحياة حتى نجد أكثر من ثلاثمائة امرأة فى البرلمان، ليكون معبراً حقيقياً عن تضاريس الحياة المصرية.
لدينا فى البرلمان الجديد 35 مسيحياً. وهو رقم مهول بالنسبة لما كان. ولدينا أيضاً 39 شاباً. وهذا لم يحدث من قبل. ذلك هو الجانب المفرح من الصورة التى يمكن أن تدفعنا إلى شطب العنوان الذى يقول إنه برلمان الضرورة.
من قبل كانت لدينا ثلاث فئات مهمّشة فى البرلمانات: النساء، الإخوة الأقباط، الشباب. الآن لم يعودوا مهمّشين.