كان لى الشرف أن أشارك فى فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ47، ضمن نشاط «كاتب وكتاب» الذى نوقش فيه كتابى «الرهان الوطنى»، الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة المصرية للكتاب، وهو الكتاب الذى يؤرخ صحفياً للسنة اليتيمة التى أدار فيها الإخوان حكم مصر.
مناقشة هذا الكتاب بين أروقة المعرض كانت فرصة للعودة بالتاريخ إلى الوراء، وتحديداً إلى السنة الوحيدة التى حكمت فيها الجماعة مصر، وكانت أيضاً فرصة لإعادة النظر فى المشهد، وهذه المرة بشكل أفقى وليس عمودياً، وإن كنت أؤمن أن ثورات مصر تحتاج إلى وقفات أخرى للتأمل وإعادة القراءة بصورة شاملة وأكثر موضوعية لفهم ما حدث، لأنه بناء عليه نستطيع تحديد ما هو آت لتفادى تكرار نفس الأخطاء.
وبالعودة إلى كتاب الرهان الوطنى الذى خلق نوعاً من الجدل، فهو محاولة بسيطة من مواطنة مغربية تحمل مصر فى قلبها، وتحاول من خلال متابعتها الدقيقة للمشهد السياسى والاجتماعى المصرى فى مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير 2011 إلى غاية 2 يوليو 2013، تقديم رؤيتها بخصوص أسباب قيام ثورة 30 يونيو، وتحليلها لما حدث فى مصر قبل هذا التاريخ مركزة على فترة حكم الإخوان باعتبار وصولهم إلى السلطة كان حدثاً جللاً، وخروجهم منها كان أيضاً حدثاً لم يكن لا لها ولا لغيرها أن يتوقع أنه سوف يتم بهذه السرعة لولا أن الإخوان أنفسهم ارتكبوا أخطاء قاتلة جعلت مشروعهم يهوى بعدما أخذهم حلم التمكين.
فمن خلال ما توصل إليه الكتاب من نتائج ورصد دقيق للقرارات السياسية التى اتخذها محمد مرسى (2012/2013)، أستطيع القول بأمانة بأن «مملكة الإخوان» قد عرفت منذ الانطلاقة تعثراً أدى إلى الفشل الذريع على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية، وذلك من خلال الانتكاسة الثورية التى حدثت لأحلام شعب ومطالبه الاجتماعية التى لم يحققها أى قرار فورى من الرئاسة، مما شكّل حالة من العبث والفوضى وصلت حد تفشى ظاهرة العنف والعنف المضاد، مع اعتماد خطاب دينى اتكالى بدعوات الصبر والعفو عن الأخطاء المتتالية للرئيس وجماعته، فضلاً عن قمع الأصوات المعارضة من خلال خطاب دينى تكفيرى، فى مناخ تهميشى للمشاكل الحقيقية للمجتمع المصرى، بل وتعريض الدولة المصرية وأمنها القومى للعديد من المخاطر فى قرارات مرسى حول سوريا وغزة وحماس وحلايب وشلاتين وسيناء، ومغازلة إيران مقابل تهديد الحلفاء، مع تطبيق سياسة التمكين التى وصفتها داخل الكتاب بـ«التمهيد لشرعنة الاستحواذ».
وكل ما تم ارتكابه من أخطاء وتجاوزات ينم عن افتقار الاستراتيجية واستحضار فقط المشروع الإخوانى الذى تم فيه استخدام الخلايا الجهادية والإرهابية المرابطة والفزاعة الجاهزة للبطش وتكفير أى صوت مخالف للإخوان. مما أدى إلى وقوع مواجهة مباشرة بين الإخوان والشعب، مقابل الإشكالية الكبرى التى تكمن فى الضعف الإخوانى إزاء القضايا المصيرية سواء القومية أو المجتمعية، وهو ما دفعنى شخصياً إلى توقع سقوط الإخوان.
وهزيمة المشروع الإخوانى أيضاً كانت حتمية لأنه يفتقد لروح الديمقراطية وتطبيقها، فضلاً عن ممارستها على الأرض، فهم جماعة تعمل على مبدأ السمع والطاعة الذى يعمق الانتماء والولاء للجماعة وليس للوطن، ويمكن وصف هذا بـ«مأساة العقل الجمعى الإخوانى». ولعل هذا يكشف التباهى بمشروع النهضة وعدم المبالاة بنفس الوقت بعدم تنفيذ هذا المشروع الوهمى، والمأزق الإخوانى أيضاً يكمن بنفس التباهى بوعود «خطة الـ100 يوم» وهو نفس العقل الذى برر فشل الرئيس فى تنفيذ هذه الوعود.
ما أريد إيصاله للمتابع العربى بالتحديد، الذى لا يزال يطرح مجموعة من الاستفهامات بخصوص ما حدث فى مصر يوم 30 يونيو، من خلال كتاب الرهان الوطنى هو أن فشل إدارة الإخوان فى العديد من ملفات المجتمع المصرى الشائكة والصعبة هو الذى أسقط حكم الجماعة، فضلاً عن مشروع الإخوان الذى لا يعترف أساساً بالدولة ولا مصالحها الاستراتيجية.
فالإخوان انشغلوا فقط بالدستور وتحصين قرارات الرئيس ومحاولات مستميتة لتغيير هوية الدولة والعبث بمقوماتها وأمنها القومى، وهذه الخروقات السياسية بما كان لها من تأثير سلبى لم يره الإخوان ولم يدركوا خطورته وتداعياته بل أخذتهم «نشوة الانتصار المزيف» و«الشرعية»، ولم يفكروا فى التغيرات التى يشهدها المكون المجتمعى ولا عدم رضاه عن أداء النظام، مما أدى إلى حالة استنفار من مختلف مكونات الشعب المصرى وبالتالى كان قرار هذا الشعب الحاسم بضرورة إسقاط الإخوان كواجب وطنى. ففى لحظة حاسمة كان الرهان فعلاً على وطنية هذا الشعب الذى خرج بالملايين ليقول «لا» لمشروع الإخوان فيما انحاز جيشه الوطنى إلى إرادته.
انتهت فترة حكم الإخوان، ولو أن تداعيات هذه السنة الكئيبة لا تزال مصر تدفع ثمنها من أمنها واستقرارها، بعدما قررت الجماعة استعداء الوطن وشن حربها عليه، ولكن يبقى السؤال المطروح: هل انتهت مشاكل مصر بسقوط الجماعة؟ بالتأكيد لا، فهذه السنة إذا كانت قد كشفت عوار الإخوان فهى أيضاً كشفت عيوباً كثيرة داخل الدولة والمجتمع يجب الوقوف عندها ومحاولة معالجتها حتى لا تعود العجلة إلى الخلف مرة أخرى، بل تمضى إلى المستقبل الذى يليق بمصر ويحقق آمال شعبها وأهداف ثورتيها.