«نظرة الوداع».. إصابات ووفيات و«كاتدرائية خالية حزينة»
الهدوء يسكن الكاتدرائية بعد رحيل البابا
3 أيام تغيرت فيها الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وقت نياحة البابا شنودة، منذ 4 سنوات، لم تعد كما كانت من قبل، فبعد وفاة البابا وتجليسه على كرسيه ليلقى شعبه عليه نظرة الوداع، بعدما كان يقف يعظ بهم ويضحك معهم، ارتسم الحزن على كل أرجائها، واهتزت أركانها من مئات الآلاف الذين احتشدوا بها لرؤية البابا الأخيرة، وبعد دفنه بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، سكن الهدوء الكاتدرائية كالتراب بعد معارك دامية.
«رامى» يوثق اللحظات الأخيرة بالصور: تدافع آلاف «المحبين» تسبب فى سقوط 3 وفيات وفقدان 20 طفلاً.. و«كنا حاسين بروح البابا فى المكان»
على مدار الأيام الثلاثة وجد خلالها المصور رامى حربى وقت نياحة البابا وتوديع الشعب له بالكاتدرائية، استطاع أن يوثق لحظات أثرت فى الكنيسة، شارك فيها أعداد هائلة امتلأت بها الشوارع فى طوابير غير مسبوقة: «البابا شنودة إنسان محورى، مش بس غيّر فى الكنيسة لكن غيّر فى المجتمع كله».. كلمات بدأ بها «رامى» حديثه عن بابا الكنيسة الذى كانت وفاته بمثابة فاجعة للجميع.
يرجع «حربى» بذاكرته إلى وقت إعلان خبر البابا وكيف اُستقبل الخبر بسيل من الدموع، ليشهد فى وقت وداع البابا ما لم يره من قبل، حيث عاصر تجهيز البابا ووضعه على الكرسى فجراً ليودعه الناس صباحاً، فيحكى عن الآلاف حوله فى كل مكان، والأبواب التى لا تسع أعداد الحاضرين: «المشهد كان مؤلماً، إننا نشوف البابا على كرسيه كده، وكنا حاسين إنه هيفتح فى أى وقت ويكلمنا».
«كنت بصّور صورة وأفضل شوية أبص فى وشه، الموضوع كان صعب جداً، مكنتش مصدق اللى شايفه»، كذلك عبّر «حربى» عن حزنه، أثناء التصوير، الذى لم يقطعه سوى التدافع الذى تسبب فى وقوع مصابين من شدة الزحام: «قربنا من الباب الجانبى للكاتدرائية، واستخدمنا ألواح خشبية وعملنا زى مستشفى ميدانى صغيرة، وناخد من قنوات التليفزيون اللى بتصور إضاءة عشان ننور المكان ده، ونحاول نجيب إسعاف يساعد الناس، لأن الوضع من الزحمة كان صعب والإسعاف مبيقدرش يدخل، ووصل لدرجة إن فيه 3 ماتوا»، وما زاد الأمر تعقيداً هو فقدان أطفال، فيقول «رامى» إنه تجمع أكثر من 20 طفلاً، منهم رضيع لا يزيد على 3 أشهر.
واحد من المواقف التى لم يتخيل المصور أن يعيشها يوماً، حيث توفيت «عجوز» لم يستدل على أى بيانات لها، وظلت موجودة فى الفريق الذى كان ضمنه «رامى»، لم يعرف الجميع كيف يتصرف، فنشر «حربى» على إحدى القنوات القبطية صورة لجثمان العجوز حتى يتعرف عليها أهلها.
الكثير من الاتصالات تلقاها «رامى» كانت تحمل معها مشاعر متناقضة، الرغبة فى أن يجد أهل الجثمان، والحزن على مصابهم فى نفس الوقت، وفى الوقت الذى فقد فيه الأمل أخذت الإسعاف جثة الضحية، وبينما تنقلها السيارة تعرف عليها أقاربها بعد 13 ساعة من البحث.
بعد الأيام الثلاثة تم إخلاء الكاتدرائية أخيراً، وفقاً لـ«رامى» الذى شهد وضع البابا فى الصندوق، للصلاة عليه قبل نقله لدفنه بدير الأنبا بيشوى: «المشهد فى الدير ما اختلفش كتير عن الكاتدائية، برضه كان فيه زحمة وتدافع وناس كتير مستنية تاخد بركة البابا قبل دفنه». وعن حالات الإصابة والوفيات التى وقعت بالدير أيضاً، يقول «رامى»: «قد إيه عجيب الحب اللى يخلى ناس تقدم حياتها عشان بس تلمس صندوق البابا، وإن البابا فارق معاهم جداً، وحاسين إنهم فقدوا الأب فعلاً».
رغم الحزن الذى تملك «حربى» من فقدان البابا، كحال المصريين بصفة عامة والأقباط بصفة خاصة، فإنه تماسك للتصوير واضعاً أمامه سببين فى ذلك، أولهما أن ذلك تاريخ كنيسة ويجب أن يوثق ويسجل، وثانيهما أن هناك ملايين خارج الكاتدرائية لا يسعهم رؤية البابا، وخارج مصر لا يمكنهم الحضور لإلقاء نظرة الوداع من الأساس، لذا كان يستخدم مواقع التواصل فى نشر هذه الصور لكى لا يُحرم هؤلاء من نظرة الوداع، ولكن الصعوبة كانت تكمن فى بداية التصوير والانطلاق فيه من الحزن الذى سببه القرب من كرسى البابا وهو يرقد عليه.
«دايماً كنا حاسين بروح البابا فى المكان، يوم ما البابا مات الكاتدرائية ماكنتش باينة من كتر الناس، بعد دفن البابا وبعد ما الناس مشيت، كنت أول مرة أدخل الكاتدرائية وأنا قلبى بيتقطع والمكان فيه حاجة مهمة مش موجودة، وكانت حزينة فعلاً» بذلك حاول «حربى» وصف مشاعره فى المرة الأولى التى دخل فيها الكاتدرائية بعد نياحة البابا: «اللى وجعنى أكتر إن البابا اتدفن فى الدير، كنت متوقع إنه هيتدفن هنا، فكان عزايا إنه هيبقى هنا».