الأجهزة الرقابية رصدت 83 مليار جنيه من أرصدة الإخوان بالخارج، بعد اعتبارها منظمة إرهابية، لجنة حصر وإدارة أموال الجماعة تمكنت من التحفظ على 154 مليوناً و758.000 فقط، مما يفسر إنفاقهم ببذخ على سيناريوهات الفوضى، شكلوا «مجلس الدفاع عن الثورات» يوليو 2014، برئاسة المنصف المرزوقى، وعضوية أيمن نور وتوكل كيرمان، مقره تونس، لكنه يتحرك من تركيا برعاية حزب أردوغان، لتغذية الحراك الثورى، بتأسيس كيانات وطنية بالدول العربية، الإخوان كلفوا نور ومحسوب بالاتصال بالقوى المدنية والثورية بمصر، استقبلوا منتصر الزيات «فبراير 2016» لبحث تشكيل كيان سياسى جامع، يلتزم بوثيقة «المبادئ العشرة» التى تؤكد شرعية مرسى، دون المطالبة برجوعه، استناداً لـ«تجدد الإرادة الشعبية»!! ثم سعد الدين إبراهيم وتكليفه بتنظيم لقاءات إعلامية وندوات ومؤتمرات لإقناع الشعب بـ«المصالحة»، قفزاً على مقولة النظام «المصالحة فى يد الشعب»، كل مبادرات المصالحة منذ أن تبناها العوا، الأشعل، البشرى، ندا، البرادعى، أبوالفتوح، تستهدف العفو عن سجناء الإخوان، إسقاط مشروعية النظام، وطرح بدائل سياسية تتيح لهم العودة التدريجية للسلطة. «المصالحة» كانت هدفاً لزيارة وفد البرلمان الأوروبى للقاهرة، لأول مرة منذ ثلاث سنوات ونصف، منطلقاً من موقفه التقليدى المنحاز للإخوان منذ سقوط مرسى! عندما لم يجد صدىً أصدر قراره بإدانة الاختفاء القسرى والتعذيب والتضييق على المنظمات الحقوقية، ودعا للالتزام بحظر تصدير الأسلحة المستخدمة فى القمع لمصر! تلك خلفية المشهد الراهن، ومنبع الدعوة لإنشاء «الكيان الوطنى» المعارض الخاص بمصر، نور لن يتصدره بالطبع، حتى لا يُحسب على الإخوان.
حمدين صباحى شكّل «اللجنة التحضيرية لتوحيد القوى المدنية الوطنية»، وأعلن مبادرة «لنصنع البديل»، تستهدف تأسيس حزب بدمج حزبى «الكرامة والتيار الشعبى»، وتشكيل جبهة تضم أحزاب الدستور، المصرى الديمقراطى، التحالف الشعبى الاشتراكى، 6 أبريل، وشبكة تواصل بين منظمات المجتمع المدنى والنقابات، ونواب برلمانيين وإعلاميين وساسة، تسعى للوجود بالقرى والنجوع، وتطرح رؤية مدنية «بديلة لنظام الحكم»، ولما وُصف بـ«ثنائية التيار الدينى والمؤسسة العسكرية»، ترفع شعارات الوطنية والمثالية السياسية، التى لا يختلف عليها من ينتمون للنظام، ومن يعارضونه على السواء، تفتقد آليات التنفيذ، أو حلولاً للتحديات المفروضة علينا داخلياً وخارجياً، الفكرة، والأهداف قد توحى بشبهة علاقة بينها وبين دعوة الإخوان لتأسيس الكيان الوطنى، لكن الحقيقة أنها بداية لحملة صباحى للانتخابات الرئاسية المقبلة، واستعداداً لخوض الانتخابات المحلية، أما اختيار التوقيت فهو يعكس الانتهازية السياسية، والحرص على استثمار الأزمة الوطنية الراهنة، حيث تصوب فيها كل السهام لقلب الدولة المصرية، ضماناً للنجاح، وللأسف الشديد فإن كافة المؤسسات، وعلى مختلف المستويات، شريكة فى مسئولية تعريض الدولة لتلك الهجمة؛ بسوء اختيار المسئولين، والفشل الإدارى، والعجز عن ترتيب الأولويات، وعدم الاهتمام باحتواء مختلف القوى السياسية.
عمرو موسى ونخبة من السياسيين والإعلاميين والنواب أعلنوا مبادرة تأسيس جمعية لـ«حماية الدستور»، إجراء لا يفتقد المبررات، فهو دفاع عن مُخرَج لجنة الخمسين التى ترأسها موسى، والتى يشكل تصاعد المطالبات بتعديله -رغم أنه لم يُفَعَّل بعد- تشكيكاً فى كفاءتها، وربما نواياها، وهو وسيلة موسى لتنشيط شعبيته، فى وقت تتردد فيه دعوات التغيير وطرح البدائل، ما قد يطرحه منافساً قوياً فى معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة، التى بدأت مبكراً، الهدف المعلن للجنة توعية المواطنين بمبادئ الدستور وأحكامه، وما يتضمنه من حريات وحقوق اقتصادية واجتماعية، وضرورة احترامه وحمايته ضد محاولات تعديله حفاظاً على حقوق المواطنين، جورج إسحاق ينتوى طرح مبادرة أخرى لـ«تفعيل الدستور»، تعدد المبادرات يعكس حالة استنفار وتحريض وتعبئة، ضد دعوات تعديل الدستور، التى انطلقت قبل انتخابات البرلمان، واستمرت بعدها، التوقيت يتواكب مع مخططات إخوان الخارج، والسهام الموجهة للدولة من الداخل، ما يفرض السعى الرصين للاستفادة منهما فى دعم دور البرلمان، بما قد يطرحانه من مشاريع قوانين لتفعيل الدستور أو لاستكماله، مع تفهم عاقل لحقيقة أن حماية الدستور حق أصيل للبرلمان، لكنه لا يحتكره، وأن التعديل آلية يتضمنها الدستور، وفق اشتراطات منصوص عليها، المبادرات لا تملك نزع الحقوق، ولا تعطيل الآليات، لكن الانسياق الغشيم وراء محاولات تسفيهها وتحديها، يؤجج حالة الاستنفار، ويوسع دائرة أنصارها، وقد يُجبر البرلمان على إرجاء ممارسته لحقه فى التعديل، أياً كانت الضرورات الملحة، مراعاة للمواءمة السياسية.
مؤامرات الإخوان ضد الوطن تمضى فى طريقها، والمبادرات ضد النظام تتعدد بانتهازية ممجوجة، والإعلام يشكل خلفية بالغة السلبية لكل ذلك، بدأ بحالة سيولة، سباب وبذاءات، وابتعاد عن المهنية، تطورت لتطاول على النظام ورموزه، حتى على شاشات ماسبيرو، والمتوقع أن تزداد اجتراءً مع سوء أداء الحكومة، خاصة المجموعة الاقتصادية، وانشغال البرلمان بصراعات وتصفيات بين الكتل والنواب، وتفاقم الأخطاء الفردية لبعض رجال الشرطة، ما يوفر مادة دسمة جاذبة للتناول الإعلامى والتعبئة الجماهيرية، عدم الفصل بين ملكية مؤسسات الإعلام الخاص وسياساته، أتاح منابر لاستهداف النظام، إما بتصيد الكلمة والإيماءة والفعل، وتفسيرها على نحو يزرع الشك ويضعف الثقة، أو للإضرار به من خلال التطبيل والانحياز الأعمى، لذلك ينبغى المسارعة بإعادة تشكيل المجالس والهيئات المعنية بالإعلام والصحافة، بالتوافق مع النقابات والروابط المهنية، على نحو يضعها أمام مسئوليتها فى السيطرة على الفوضى الإعلامية الراهنة، واستعادة التوازن والمهنية للقطاع.
رئيس الجمهورية حذَّر «هناك تآمر على الدولة لإسقاطها»، مما يفرض تآزر كافة القوى الوطنية، بعض مؤسسات الدولة عزفت عن احتواء بعضها؛ النظام الانتخابى، تعنت الإجراءات، واستخدام المال السياسى، أدى لانسحاب قوائم، وعدم تمثيل أخرى، وخسارة مرشحين، أمام نماذج معيبة، ما أدى لحالة استنفار وتحفز، والعمل من خارج مؤسسات السلطة، ما دفعهم لدائرة الشبهات، والربط بين تحركاتهم ومؤامرات الإخوان، خاصة فما يتعلق بالانحياز للـ«مبادرات»، أبوالفتوح و«حزب الوسط»، أحمد شفيق و«الجبهة المصرية»، والتنظيمات السلفية، يتحينون فرصة الانقضاض على النظام، التقدير المبكر لخطورة تداعيات أزمة «حبس الأنبياء»، والقرار الحازم بشأنها، رغم ضغوط شبكات المصالح، ترك انطباعاً جيداً بإمكانية عودة الدولة المصرية، لكن «المطاردة والتعقب» ليسا أفضل الاختيارات لمواجهة المعارضة، إحالة بلاغ ضد صباحى للنيابة بتهمة قلب نظام الحكم والتحريض على التظاهر، يوسع نطاق التعاطف معه، والسخط على الأوضاع، ويدفع النظام لطريق مغلق، هو وقت للحكمة، والوزن المسبق، للكلمات بحسابات المُتَصيِّد، والإيماءات بعين المُتَرَبص، والأفعال بآليات الأزمة، لنتجنب المعارك الجانبية، والقضايا الخلافية، وندعم الدولة، حفاظاً على الوطن، وعليها شحذ الهمم، وتوسيع المشاركة، كل الاحتمالات مطروحة، ما لم تُعد التوازن للمشهد، لن أمل التكرار «مصر فى حرب.. أفلا تصدقون».