لست خريجا لأي من كليات الزراعة، لكني كنت قد اتخذت قرارًا منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام، وهو أن أقتحم هذا العالم كمستثمر زراعي صغير.
دفعني -لاتخاذ هذا القرار- شغفي بالزراعة وريادة الأعمال، وإدراكي لأهمية دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة بشكل عام في اقتصاد الدول العظمى، وإدراكي لأهمية دور النشاط الزراعي بشكل خاص في دفع عجلة الإنتاج.
فالقطاع الزراعي على الرغم من تدهوره الكبير في العقود السابقة نظرًا لتخبط السياسات الزراعية للحكومات المتوالية، وفي بعض الأحيان غيابها إلا أنه لا يزال يساهم بنحو 17% من الناتج القومي، ويعمل به نحو 30% من إجمالي قوة العمل في مصر، وهم مسؤولون عن إعالة 55% من إجمالي تعداد السكان، وتعتبر صادراتنا الزراعية مصدرًا مهمًا لتوفير العملة الصعبة.
تلك الحقائق والأرقام شجعتني أنا واثنين من أصدقائي على أن نبدأ مشروعًا زراعيًا صغيرًا، استصلحنا فيه قطعة أرض صحراوية صغيرة على طريق "القاهرة - إسكندرية" الصحراوي، وزرعناها بتقنية علمية جديدة نسبيًا تسمى البيوت المحمية.
الزراعة في البيوت المحمية تختلف عن الزراعة التقليدية المكشوفة، حيث تتم الزراعة داخل هيكل من الحديد أو الخشب مغطى بغطاء من البلاستيك يوفر البيئة المناسبة لزراعة المحاصيل الصيفية في غير موسمها، وعلى مدار العام.
ومن دراستنا للأسواق العالمية وجدنا أن الطلب على محصول الفلفل الألوان يزداد شتاءً في أوروبا؛ لنقص المعروض لأنه محصول صيفي فتلجأ تلك الدول إلى استيراد احتياجتها من الفلفل من مصر والمغرب وإسبانيا وإسرائيل، فقررنا إنشاء بيت محمي وزرعناه بنباتات الفلفل الألوان عالية الجودة بغرض التصدير.
وبالفعل تمكنا في خلال أول عام من إنتاج 68 طن فلفل ألوان أحمر وأصفر عالي الجودة ولكن لم يحالفنا الحظ نظرًا للظروف السياسية التي مرت بها مصر عام 2013، ونظرًا لأن الدولة ليس من أولوياتها مساعدة ودعم المزارع الصغير.
فلجأنا إلى تسويق منتجنا في أسواق الجملة المحلية التي اكتشفنا من التعامل معها أن الدولة لا تكتفي فقط بعدم المساعدة فقط بل أيضًا تعجز عن حماية المزارع المنتج من جشع التجار، مع أن العجز تعبير غير دقيق لما تقوم بها الدولة؛ لأن العجز معناه الفشل المتكرر مع تكرار المحاولات، فالدولة لا تحاول من الأساس حماية المزارع.
لن أدخل الآن في تفاصيل مشاكل التسويق والعقبات التي يواجها المزارع الصغير في مصر، وسأتطرق لها تفصيلًا في مقالات لاحقة، وسأذكر فقط نتائج أول سنة لمشروعنا الزراعي الصغير.
خسر المشروع خسارة فادحة على الرغم من الإنتاج الوفير عالي الجودة؛ لأن إنتاجنا بيع -أو بمعنى أصح نُهب- بسعر أقل من تكلفة الإنتاج والفضل كل الفضل يعود لغياب دور الدولة ولجشع التجار.
لن أنسى الأيام التي كنت أعود فيها من سوق الجملة بفواتير بيع فيها فلفلنا بجنيه ونصف للكيلو، ووجدت فيها الفلفل يباع عند تاجر التجزئة تحت منزلي بـ٩ جنيهات، وفي الـ Hyper markets بـ١٤ جنيه للكيلو.
ثاني النتائج كانت أن شريكيّ خرجا من المشروع بالتراضي بعد أن أدركا أن الزراعة في مصر مقامرة غير محسوبة المخاطر، وفي كثير من الأحيان يمكن أن نعتبرها محاولة جادة للانتحار، ولكني اتخذت قرارًا متهورًا بالزراعة من جديد في العام التالي، الذي واجهت فيه عقبات أكبر، وعانيت فيه من مشكلات القطاع الزراعي، أكثر فزادت ديوني وخسائري.
ما زلت في عامي الثالث، أحاول البحث على طريق تحقيق حلمي الزراعي، الذي أجد في تحقيقه تحقيقًا لهدفي بالمساعدة في التغيير بصورة بعيدة عن السياسة وإحباطاتها التي نالت منا جميعا، ولكن المختلف في هذه التجربة إدراكي الداخلي الذي تكون خلال العامين السابقين أن أعمل وألا أنتظر حلولًا من الدولة، ليس لعدم وجود الحلول أو لصعوبتها لكن لمعرفتي المُكتسبة بعواقب الاتكاء على "حيطة مايلة".