Demolition هو أحدث أفلام النجم "جيلنهال"، ويلعب فيه دور "ديفيس" الموظف الكبير في شركة حماه، "ديفيس" يعيش في بيت جميل، ومتزوج من إمرأة جميلة، وأحداث الفيلم تبدأ مع الوفاة المفاجأة للزوجة في حادثة سيارة، ما يتسبب في دخوله بحالة صدمة، سببها الأساسي هو عدم إحساس "ديفيس" بالصدمة.
شخصيتنا الرئيسية تشعر بحالة من الارتباك والتوهان؛ لأنه لا يشعر بما كان يجب أن يشعر به.. ولا يوجد لديه شعور بالحزن ولا الغضب ولا يستطيع أن يتأكد من أنه يفتقد زوجته فعلًا. في رأيي هذه بداية فوق الرائعة لانطلاق الأحداث، ولكن علامات الاستفهام تبدأ في الظهور من بعد تلك النقطة.
"ديفيس" يبدأ في إرسال خطابات لأحد شركات تصنيع وصيانة ماكينات الطعام السريع. الخطابات بدأت بشكوى عادية من أحد الأعطال التي اختبرها بنفسه، ولكن الأمور لم تتوقف هنا. الأرمل الشاب يبدأ في الإسهاب عن زوجته وعن وفاتها وعن إحساسه تجاه تلك المأساة، وبل يبدأ في الحديث عن حياته كلها بشكل عام.
الخطابات المتتالية تثير تعاطف "كارين" مسؤولة خدمة العملاء في الشركة، وتتصل به لتفتح باب دخوله لحياتها وحياة ابنها المراهق "كريس".. في نفس الوقت، يبدأ "ديفيس" في تكوين عشق وراحة في تفكيك كل الأشياء المحيطة به، وسرعان ما يتحول عشق التفكيك لعشق التدمير و…. تحديدًا في هذه النقطة، فقدت كل قدراتي على ربط أحداث الفيلم بشكل منطقي.
Demolition فيلم غريب ومعقد.. من الصعب الاتفاق على أهداف رسالته وحتى الاستيعاب الكامل لسياق سرده، على الرغم من كونه متتاليًا طبيعيًا من الناحية التقنية.. لم أكن قد قررت شعوري العام تجاه الفيلم حتى حدث موقف في نفس غرابة الفيلم نفسه.. كنت أشاهد الفيلم في حفلة سينمائية صباحية وصالة العرض كانت خاوية إلا مني ورجلين آخرين.. رفقائي الأغراب قرروا الاستسلام وترك الفيلم حتى قبل الاستراحة، وشعروا أن مسؤوليتهم تقتضي أن ينصحوني بمالغادرة أنا الآخر.. درجة مفاجأتي أكدت لي أن ردي التلقائي سيكون هو المعبر الأكبر عن إحساسي تجاه تجربة المشاهدة.. وردي التلقائي كان: "أنا عن نفسي مبسوط!".
نعم، أنا استمتعت بمشاهدة فيلم Demolition.. في البداية، إمضاء ساعة وأربعين دقيقة بصحبة "جيك جيلنهال" لا يمكن أن تكون إضاعة للوقت.. وهو بكل تأكيد أحد أفضل المواهب التمثيلية في جيله، وذلك الجيل هو المورد الرئيسي في الوقت الحالي لممثلي أدوار البطولة الذكورية في الأفلام، ولكن ما يتوجب على "جيلنهال" إدراكه هو أن فترة سيطرة أي جيل على مقاليد التوريد لمثل هذه الأدوار في مثل هذا العمر لا تطول كثيرًا.
ليس عندي أي ملاحظات سلبية على طريقة الأداء وكيفية تجسيد شخصية "ديفيس" وهو يعاني من تفسير شعوره وليس فقط التعبير عنه، بل إنني استمتعت كثيرًا بمبارياته التمثيلية مع "كريس كوبر" و"نيومي واتس" و"جودا لويس" في تجسيده الرائع لدور "كريس".. كل ما في الأمر أنني كنت أتوقع منه خطوة أقل إثارة للجدل وبالأخص بعد فيلم "Southpaw".
ومن دواعي الاستمتاع بالفيلم كذلك عملية المونتاج.. في الطبيعي أنا لست من نوعية النقاد القادرة على تذوق وتقييم عملية المونتاج بشكل مستقل، ولكن في هذه الحالة فجودة العمل بارزة بشدة ويمكن بسهولة تقدير الإيقاع والفلسفة، التي تم بها تصميم وتنفيذ المشاهد.. مخرج الفيلم "جون مارك فاليه" من أفضل صناع السينما العاملين حاليًا في توظيف الموسيقى والأغاني كمكونات درامية وفنية في المشاهد المهمة في أفلامه.. نجح في هذا في فيلميه السابقين "Wild" و"Dallas Buyers Club". وفي Demolition يبدو لي أن المنتج النهائي للمونتاج يعد في أفضل صوره، وبالتحديد في مشهد أغنية الفيلم "Crazy On You".
نعم، أنا استمتعت بمشاهدة فيلم "Demolition"، ولكن هذا لا يعني أني لا أستطيع أن أملأ بعض خطابات الشكوى أنا الآخر.. السعي الحثيث للمحافظة على الأسلوب غير المباشر لطرح كل رسائل الفيلم، وتقديم كل مشاعر الشخصيات جعلت تجربة المشاهدة مرهقة في أحيان كثيرة.. بعض الجمل تم حذفها، رغم وجودها في الإعلان التقديمي للفيلم، لمنع الشخصيات من دعم المشاهد ببعض لحظات الوضوح.
النتيجة المباشرة لاعتناق الأسلوب المباشر هي خلل كبير في منطقية التنقل بين الأحداث، حتى أصبح من الصعب جدًا ربط الأسباب بالنتائج.. أقصى درجات استمتاعي في الفيلم حدثت في بعض المشاهد بعد أن وجدت نفسي في منتصفها دون تفسير مقتنع لكيفية وصولي لتلك النقطة أو أي قدرة على توقع الاتجاه، الذي تسير ناحيته الأحداث. وبعد تكرار هذا الموقف أكثر من مرة، فقد أي اهتمام بالاستمرار في لعبة التبرير والتوقع.
في حدود فهمي للفيلم، فمخرجه يقدم معالجة لتجارب الموت والحسرة والحزن والألم، وكيفية تعامل بعض الأشخاص مع تلك التجارب بشكل غير متوقع أو متعارف عليه اجتماعيًا.. "فاليه" بذلك يكرر ما قد قام به من قبل في فيلم "Wild"، الذي خلق أغلبية مقتنعة بنجاحه لأن أحداثه، التي لم تخلو من الفلسفات الفنية المعقدة في تكوين مشاهده وتصميمها، كانت منطقية في الصورة الكبرى.. في Demolition، يبدو لي أن السيناريو وأسلوب الطرح قام بعمل دقيق جدًا في إخفاء جوهر القصة، حتى أصبح من الصعب على أي مشاهد أن يجدها.