تعد مشكلة تسويق الإنتاج أكبر المشكلات التي يواجهها صغار المزارعين في مصر، فالمزارع لا يستطيع أن يتنبأ بالسعر الذي سُيباع به محصوله ولا السعر مرتبط من الأساس بتكلفة الإنتاج، ففي كثير من الأحيان يتكبد المزارع خسائر فادحة ليس لضعف الإنتاج أو لقلة جودته، ولكن لأنه يباع في أسواق الجملة بسعر أقل من سعر التكلفة و من هنا يظهر سؤال:
ما الذي يحدد سعر البيع؟
يحدد سعر البيع وفقًا لقانون العرض والطلب، فإذا زاد المعروض من سلعة معينة عن الطلب عليها قلت الأسعار، وإذا زاد الطلب على سلعة معينة عن المعروض منها زادت الأسعار، قد تبدو المعادلة بسيطة، على المزارع أن يزرع محصول المعروض منه قليل والطلب عليه كبير، لكن هل يحدث هذا في الواقع؟
سأروي لكم قصة متكررة من الواقع الزراعي المصري
قرية بها 20 مزارعًا، اتخذ ١٩ مزارعًا منهم قراره منفردًا بزراعة الخيار، وقرر مزارع واحد زراعة الفاصوليا، وعندما حان وقت الحصاد تكبد مزارعو الخيار خسائر فادحة لأنهم باعوا إنتاجهم بسعر أقل بكثير من سعر التكلفة، نظرًا لزيادة المعروض من الخيار، وفي الوقت نفسه حقق مزارع الفاصوليا ربحًا كبيرًا لأنه باع الفاصوليا بسعر أعلى بكثير من سعر التكلفة؛ نظرًا لقلة المعروض من الفاصوليا.
فكانت محصلة هذا الموسم الزراعي خسائر فادحة تكبدها 19 مزارعًا، وربحًا كبيرًا لمزارع واحد فقط.
لكن القصة لم تنتهِ بعد، في الموسم التالي قرر مزارعوا الخيار زراعة الفاصوليا بدلًا من الخيار؛ لأنهم وجدوا أن زراعة الفاصوليا حققت أرباحًا في الموسم الماضي، ومزارع الفاصوليا قرر هو الآخر زراعة الفاصوليا مرة أخرى لنفس السبب، وعندما حان وقت الحصاد زاد المعروض من الفاصوليا عن حاجة السوق فقلت الأسعار بصورة كبيرة لدرجة أنهم باعوا الفاصوليا بسعر أقل بكثير من تكاليف الإنتاج، وكانت المحصلة خسائر فادحة تكبدها المزارعون بشكل مباشر والدولة بشكل غير مباشر، نتيجة لغياب التنسيق بين الدولة والمزارعين.
أما عن خسائر الدولة فهي كالآتي على سبيل الذكر وليس الحصر:
1- تقلص الرقعة الزراعية وعدد المزارعين؛ لأن كثير منهم لم يتحملوا الخسارة لموسمين متتاليين فأوقفوا استثمارهم الزراعي؛ لأنهم لم يتبق معهم سيولة نقدية كافية لمعاودة الزراعة في الموسم الجديد، يصاحب ذلك التقلص زيادة في نسبة الفقر والبطالة.
2- فاقم مشكلة الأمن الغذائي لإقبال المزارعين على أصناف معينة، تزيد في معظم الأحيان عن حاجة الدولة، على حساب سلع استراتيجية مهمة؛ لتحقيق الأمن الغذائي فيزداد عجز الإنتاج في هذه السلع كما وكيفا، ما يجعل الدولة مضطرة للاستيراد بالعملة الصعبة لتلبية حاجة السوق.
3- زيادة في أسعار الكثير من المنتجات الزراعية؛ لنقص المعروض منها يتحمل عبئها المواطن البسيط.
عزيزي المزارع أو المقبل على الزراعة، توخ الحذر في اختياراتك لزراعاتك واقرأ السوق جيدًا وأنت على البر فالسوق متقلب، أما أنا، فلقد أخذت الدرس في البحر، وتعلمت قاعدة أن أزرع الصنف بعد موسم خاسر له وألا أزرعه بعد موسم رابحٍ، فالموسم الرابح لأي صنف سيجعل المعروض منه في الموسم المقبل كبير، والعكس صحيح.
وأخيرًا، خذ في اعتبارك أن حتى بتطبيق هذه القاعدة فالمخاطرة لا تزال موجودة والمعادلة لا تزال صعبة.