نورا.. قمر 14 أطفأه الفقر والأهل ونصيحة «ربنا فوق وجوزك تحت»
الجميع يحبونها، أيقونة العائلة، كل من يعرفها يتمنى أن تكون زوجة لابنه، لم تزل أنثى فى طور التكوين، غير أن بهاءها كان لافتاً، راودها فى الحلم ذلك الفتى الذى يخطفها خلف حصان أبيض، ككل بنات حواء، فجاء سريعاً، لم تكن قد أكملت عامها الرابع عشر حين دق بابها كثير، ولأن «اللى انكتب على الجبين لازم تشوفه العين»، انتقلت البنت الحالمة بفستان أبيض، إلى امرأة يحمل فؤادها معاناة لم تمحها السنون، معاناة تركتها زهرة ذابلة فى ريعان الشباب.
كانت نورا حسن عائدة من مدرستها بالمريلة الكحلى، حين أخبرها والدها عن عريس يطلب يدها، البنت تحب التعليم ومتفوقة، فهى عازمة على أن تكون مختلفة عن بنات العزبة القبلية، ذلك المكان الذى تقول عنه: «البنت اللى توصل 20 سنة من غير جواز بيقولوا عليها بايرة»، غير أن ضيق يد والدها أجبرها على ترك الدراسة، فهى واسطة العقد لأسرة تتكون من 10 أفراد، وأب يعمل نجاراً ويبيع الترمس فى مواسم الركود، فكان القبول بالعريس أمراً حتمياً «بصراحة مفيش بنت مبتحبش تقعد فى الكوشة»، تمت خطبتها الأولى فى الصف الأول الإعدادى، فيما كان هانى سائق النقل عريسها الثانى، من نوع «أرزقى بس كسيب»، ثلاثة أشهر ظل فيها الخطيب يراوح بيتهم الصغير مجيئاً وذهاباً، ظنت فيها أنها مقبلة على دخول الفردوس «كنا بنقعد وسط أبويا وأمى واخواتى وكان بيتعامل باحترام شديد»، قبل أن يُغلق عليهما باب واحد، لترى الذل متجسداً فى شخصها، و«الجبروت» فيمن يُفترض أنه نصفها الثانى.[Quote_1]
«نورا» التى كانت نوراً وضياءً لوالدتها تساعدها فى أعمال المنزل، وترضى بالقليل «اتعودت على نومة الأرض»، فُتنت بالفستان الأبيض المرصع بالورود وأصوات الدفوف، التى صنعت خصيصاً لأجلها، كل ما كانت تعرفه عن معنى الزوج يتمثل فيما تشاهده من والدها «راجل حنين بيحب مراته وبيتكلموا فى تربية العيال ومصروف البيت»، قبل أن تفاجئها «حماتها» ليلة الدخلة بمصطلحات تخص ساعاتها القادمة، فطيبة أمها جعلتها تظن أن ابنتها كبرت وتعى مثل تلك الأمور، لم تستمر سعادتها سوى 5 أيام، وفى اليوم السادس كانت إحدى صديقات زوجها تزورها فى منزلها تتفحص كل تفاصيل البيت الشاسع حتى ملابسها تفندها قطعة قطعة وكانت صدمتها فى رد فعل الزوج الذى يكبرها بعشر سنوات كاملة «إيه؟ دى كان خطيبتى ومن حقها تعمل اللى هى عايزاه». لم تكن «نورا» سوى سلعة -حسب وصفها- يستهلكها السائق، ويلقيها قطعة لحم فى ليالى العتمة، شهر العسل مصطلح سمعت عنه فقط، فالضرب وشد الشعر، والسحل على سيراميك بارد، كانت وسيلة ترفيهه، فضلت «بنت الأصول» أن ترعى كلمات والدها قبل رحيلها عن منزله «يا نورا يابنتى الست ملهاش غير بيت جوزها وأسراركو متخرجش برة عتبة الباب مهما حصل. جوزك بعد ربنا سبحانه وتعالى»، لذا كانت الدموع رفيقتها، قبل أن تقرر قرارها المصيرى: أن تكمل تعليمها سراً.
منزلها الذى يبدو مملكة مترامية الأطراف، لم تكن تملك أن تحرك فيه كرسياً، وإن تجرأت يكون العقاب وخيماً «فى يوم قلت أغير مكان الصالون رجع من الشغل مرمط بكرامتى الأرض، وطردنى من الشقة، ولما روحت البيت قلتلهم أنا جاية أقعد معاكو كام يوم، مكنتش فاهمة إزاى آخد حقى».
ذروة الأحداث تجلت وقتما وجدت قطعة من الحشيش فى جيب هانى، فألقتها فى الحمام، وحين علم الزوج راح يضربها بشدة، حاولت الهرب من ذلك الثور الهائج، فوجدت باب الشقة موصداً، ولم تجد سوى غرفة النوم، التى كانت نافذتها طريقاً إلى الشارع بعدما لكزها الزوج دون شفقة لتصطدم بالأرض، بعد لحظات سقطت فيها من الدور الثانى مرت كسنين، لتصبح ست الحسن طريحة الفراش «حصلى كسر فى العمود الفقرى وشرخ فى الحوض وكسر فى إيدى الشمال». لم تزل آثار الجروح والسحجات محفورة فى جسد الشابة، التى قاربت على العشرين، بينما الجروح الغائرة تحفر نفسها المحطمة، ثلاث سنوات قضتها محمولة على أيدى الأشقاء، مرة بملاءة سرير، وأخرى على كرسى بعجلات، وثالثة فوق «مشاية».[Quote_2]
بغطاء رأس وقور ووجه شاحب منكسر تتذكر نورا لحظات الظلم كأنها الأمس، تضحك بمسحة حزن واضحة على وجهها الصغير، وهى تروى كيف رقدت أم زوجها بدلاً منها على سرير قصر العينى فى حيلة منهما لخداع النيابة، التى حضرت لتعاين الحالة، قبل أن تحوقل وتنظر صوب السماء مرددة كلمات الحمد والثناء للخالق الذى عافاها، سنتان فى عش زوجية تحول بعد ساعات إلى كهف مخيف، خرجت منه أكثر ألماً وأقوى عزيمة وعقيدة ثابتة، أن البنت لا بد لها من زوج صالح يرعاها وعقل رشيد تكون به أسرة، تعلم كيف تديره وأن زواجها صغيرة كان أكبر غلطة فى حياتها، الأم لولدين قررت أن تكمل تعليمها فى الثانوى التجارى، مفضلة ألا يعلم أصدقاء الدراسة الجدد شيئاً عن حياتها السابقة.
تضحك بتفاؤل حين تتذكر همسات فلذات كبدها المواسية، موقنة أنه رغم الأسى الذى صاحبها مدة، فقد مُنحت هبة من السماء لا يعرف معناها إلا المحرومون، لكنها ترفض أن تتزوج ثانية إلا وهى قادرة على تأسيس حياة كريمة تحفظ كرامتها وتقى أولادها شر سؤال: «هو ليه بابا مبيجيش عندنا؟».
أخبار متعلقة:
فلسفة المواطن فتحي بركات.. العريس فى سن 14 والعروس أصغر منه لكن «جسمها فاير»
أطباء: اغتصاب مقنن ويشكل خطورة على حياة الفتاة يصيبها بـ"انحطاط"الثقة فى النفس
«طفلة» تلد «طفلة».. ثم رحلة معاناة على فرش «جرائد» فى الهرم
«مها».. عروسة بنت 14 سنة: «خلفت 3 عيال فى 10 سنين.. ونفسى ألعب زيهم»
«فرحة».. عمرها 38 سنة.. وجدة لـ10 أحفاد
«أبويحيى»: زواج القاصرات «سنة سماوية».. وأنا شاذ فى الفتوى
فتيات قرى «الجيزة» من «دكة المدرسة» لـ«بيت العدَل»