في أوربا ومنذ أواخر القرن الـ17 لاحظ العديد من فقهاء اللغات وجود تشابه كبير بين العديد من اللغات الأوربية، وبين هذه اللغات وبعض لغات إيران وشبه القارة الهندية، هذا التشابه دفعهم إلى افتراض كون تلك اللغات من أصل واحد (ex eadem origine) واختلفوا في تسمية هذه اللغات، وفي البحث عن اللغة الأم/الأصل (Proto-Language) لها.
ولعل من أشهر التسميات اللي انتشرت في ذلك الزمان، والتي كانت تستند إلى التقسيم التوراتي للشعوب التي تنحدر - بحسب التوراة - من أبناء النبي نوح الثلاثة "سام وحام ويافث"، فكانت تسميتها بـ"اللغات اليافثية" تمييزًا لها عن "اللغات السامية" كالعبرية والعربية و"اللغات الحامية" كاللغة المصرية القديمة.
والحقيقة أن هذا التقسيم التوراتي لا يمت للعلم بِصلة، لكنه - مع ذلك - ظل منتشرًا لفترة، ثم اختفى مصطلح "اللغات اليافثية"، وبدءًا من أوائل القرن الـ18 حل محله مصطلح "اللغات الهندوأوربية"، بينما بقى المصطلحان الآخران: "اللغات السامية" و"اللغات الحامية" لفترة أطول، وانضما فيما بعد ضمن مجموعة أكبر جغرافيًا تبدأ من غرب إيران وجنوب تركيا وتغطي كل العراق والشام وشبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا وشرقها.
هذه المجموعة تدعى "اللغات الأفروأسيوية (Afroasiatic)" أو "اللغات الحامية-السامية (Hamito-Semitic)"، وفروعها الرئيسة هي اللغات البربرية والتشادية والكوشية والأوموتية (عليها خلاف) والمصرية (القديمة) والسامية.
ما يعنينا هنا في حديثنا عن "لغة مصري" وعلاقتها باللغة العربية هو فرع "اللغات السامية"، وهو ينقسم إلى عدة مجموعات لغوية أصغر، وثمة تباين كبير في آراء الدارسين حول هذا التقسيم، وأنا شخصيًا أميل إلى من يقول بتقسيمها على النحو التالي:
1- مجموعة اللغات السامية الشرقية (انقرضت بالفعل): الأكادية والإبلاوية.
2- مجموعة اللغات السامية الوسطى، وتنقسم إلى:
أ- اللغات السامية الشمالية الغربية (أشهرها: الآرامية والعبرية والكنعانية).ب- "اللغات" العربية (ومنها لغتنا العربية المعيارية وما يرتبط بها من لغات/لهجات).ج- مجموعة اللغات السامية الجنوبية، وتنقسم إلى:
1- الغربية: اللغات الإثيوبية (أشهرها: الأمهرية والجعزية والتجرينية) واللغات العربية الجنوبية القديمة (لغات جنوب غرب شبه الجزيرة العربية: السبئية والمعينية والقتبانية والحضرمية، وقد انقرضت جميعا).
2- الشرقية: اللغات العربية الجنوبية الحديثة (مجموعة لغات أقلية منتشرة في اليمن وعمان. أشهرها: المهرية والسقطرية والجبالي والحرسوسية).
- لماذا كل هذا الحديث الطويل - بل والممل؟
لأقول لك أن الأمر أعقد بكثير مما يظن أغلبنا حين يتحدث عن "لغة عربية".. وحقيقة الأمر هي أننا نتحدث عن "لغات عربية" بالجمع لا بالإفراد.
وللحديث بقية.. إن كان في العمر بقية.