عندما التقت السيدة كوندليزا رايس فى أوائل الدورة الثانية لجورج دبليو بوش، الرئيس الفرنسى الأسبق جاك شيراك، وخرج الأخير ليقول فى مؤتمر صحفى: «لم يعد مسموحاً لأوروبا أن تخطئ مرة ثانية»، وكان هذا معنى أن أوروبا سند وراء الولايات المتحدة فى كل خطواتها.. والحق أن هذه العبارة فهمناها جيداً عندما ذهب الرئيس الفرنسى السابق إلى أمريكا وتصريحه هناك بأنه يلوم جاك شيراك لأنه لم يقتدِ بأمريكا ولم يسِرْ وراءها معصوب العينين!
الشىء نفسه قد استوعبه فرنسوا أولاند، الرئيس الحالى لفرنسا، مثلما تذرعت أمريكا بحجة استراتيجية مكافحة الإرهاب واحتلت العراق.. يفعل فرانسوا أولاند بحملته التى أجراها لاحتلال دولة مالى فى أفريقيا.
والحق أن فرنسوا أولاند اقتدى حرفياً بأمريكا وجورج دبليو بوش على وجه الخصوص.
فأولاً: هيأ الرأى العام لقبول فكرة الاحتلال التى يقوم بها الآن فى مالى.. فأقنع الفرنسيين وغيرهم من خلال الواقع ووسائل الإعلام بأنه احتل مالى «مؤقتاً» للقضاء على المتطرفين الإسلاميين فى شمال مالى.
وثانياً: أقنع بعض الفصائل فى مالى بمساعدته ودعوته للتدخل فى مالى، حتى إذا ما قيل: إن أولاند يتدخل فى الشئون الداخلية لمالى، أجاب بأنه لم يتدخل إلا بناءً على دعوة من بعض الفصائل المالية.
ثالثاً: إن فرانسوا أولاند يريد أن يؤكد لأمريكا بأنه يسير على خطاها، وهو بتدخله فى مالى إنما يريد القضاء على المتطرفين الإسلاميين، أى إنه يسير على استراتيجية مكافحة الإرهاب لما اخترعها جورج دبليو بوش.
رابعاً: إن «الإسلاموفوبيا» ظاهرة اخترعها رجل الشارع فى فرنسا، وأولاند خرج بها من داخل المجتمع الفرنسى إلى شمال مالى، مؤكداً أن كل من يتمسك بدينه الإسلامى يوضع تحت طائلة «الإسلاموفوبيا»، فكانت هذه الأخيرة ذريعة يحاول أن يجعلها حجة تبرر احتلاله لمالى.
ولا يمكن أن ننسى ما قاله آخر رؤساء فرنسا السابقين، من أن أولاند باحتلاله لمالى إنما يريد أن يعيد إلى الأذهان صورة الاستعمار الحديث.
والحق أن فرنسا -بهذا المعنى- خانت مبادئ ثورتها المعروفة بشعار «حرية، إخاء، مساواة»، مثلما خانت أمريكا شعارات حقوق الإنسان. ولا يمكن أن أنسى ما قاله يوماً نعوم تشومسكى -وهو فيلسوف أمريكى معروف- من أننا لو طبقنا شروط الإرهاب التى وضعتها أمريكا على أمريكا ذاتها لكانت أكبر دولة إرهابية فى العالم.
والحق أن فرنسا قد تغيرت كثيراً، فاختلط الاشتراكى مثل فرنسوا أولاند باليمين مثل نيكولا ساركوزى.. بل أكاد أقول لا فرق بين الرجلين على اختلاف ما بين حزبيهما، فالأول اشتراكى والثانى يحتل، يثبت لدى دول وشعوب العالم أن الذى يقود الحملة الفرنسية العسكرية فى مالى هو ساركوزى وليس أولاند.
فهذه الدولة الكبيرة لم تعد تهتم بشعوب العالم الثالث مثلما كانت، وإنما تهتم بالنخب السياسية الحالية وبمصالحها بالدرجة الأولى، حتى لو كان فى ذلك تشويه للدين الإسلامى، واعتبار كل ما هو مسلم هو -بالضرورة- إرهابى أو متمرد أو على أقل تقدير متشدد.
الحلال بيّن والحرام بيّن.. لكن حملة أولاند على مالى تدخّل فى شئون مالى الداخلية وهو مرفوض بحكم المواثيق الدولية.. أغلب الظن أن من يدفع الثمن هم المسلمون بالإسلاموفوبيا وغيرها.