25 يناير 2011.. يوم اختارت الجماعة «الاختباء فى المنيل»
«هى لله هى لله لا للمنصب ولا للجاه» الهتاف ملأ به فضاء مظاهرات طلبة الإخوان ضجيجاً وصخباً يتذكره الآن شارداً بذهنه فى «تلك الأيام» التى ستظل إرثاً يحمله على كاهله مهما ابتعد به التاريخ فستظل ذكريات 25 يناير وما قبله بأيام راسخة فى ذهن «محمد عباس»، العضو المؤسس فى التيار المصرى، وعضو ائتلاف شباب الثورة، الذى كان يوماً ما «عضواً فى جماعة الإخوان المسلمين».
«البدايات دائماً تشير للنهايات» كان يعرف دوماً أنه لن يستطيع أن يكمل مشواره مع «جماعته»، فقد كان دائماً الأخ «العاصى» الذى لا يستجيب لنصح «مسئوله» فى أسرته الإخوانية فكم من مرة خرج فيها معترضاً ومحتجاً ومتضامناً فى أوقات آثرت فيها الجماعة الصمت والابتعاد عن دائرة الضوء و«المشى جنب الحيط» أو داخل الحيط أحياناً كثيرة «كنت باخرج دائماً فى الوقفات الاحتجاجية لكفاية و6 أبريل وخالد سعيد من غير موافقة الجماعة ولا مشاركتها ده يمكن كان بيمنعنى من التصعيد التربوى لكن كنت برضى ضميرى ووطنى وده الأهم»، مشاركاته فى صفحة خالد سعيد وتلبيته المستمرة للوقفات الاحتجاجية للتنديد بقتله جعلت انتظاره لموافقته على قرار الجماعة بموافقتها على المشاركة أو التصرف كعادتها بالوقوف فى موقع «المتفرج إلى حين».
«جروب مغلق» يجمع شباب الإخوان الراغبين فى النزول يوم 25 كانت فكرته التى جمعت أكثر من 250 شاباً وفتاة من أعضاء الإخوان جميعهم لبوا نداء إرادتهم لأول مرة ولم ينصاعوا وراء قرار قيادتهم «الروحية» ومسئوليهم «التربويين»، الجروب الذى لم يسمح لأحد من غير الإخوان أن يشارك فيه ما زال موجوداً على فيس بوك رغم عدم تفعيله الآن «ربما يريدون أن يذكرونا أنها لم تكن المرة الأخيرة وأنه سيجمعنا مرة أخرى»، يتذكر بداية حشده لذلك اليوم، يتبادل أرقام الهواتف مع من دخلوا للجروب راغبين فى المشاركة، يتقابل مع نشطاء الحركات الثورية لتحديد مسيرات الخروج وموعدها «قابلت شباب من أجل العدالة والحرية وقلتلهم إن فى 250 شاب إخوانى تحت أمركوا بدون أوامر ولا زعامات» كان الترحيب بهم واضحاً وجلياً فالإخوان أكثر تنظيماً من أى فصيل ومعتادين على المواجهات الأمنية مما سهل وجودهم فى مقدمة الصفوف كما يحكى عباس «لم نكن نمثل سوى أنفسنا والجماعة نفسها لم تعترف بنا وبيانها بعدم المشاركة الصادر يوم 22 أنهى الجدل حول دعمها غير المباشر».
«لو هتنزل بكره ما تكبرهاش فى دماغ أختك دى عايزة تنزل معاك وأنا كفاية عليا قلق واحد.. أقول إيه للناس اللى مستأمننى على بناتهم ونازلين معايا بكره أقولهم خفت على أختى وما نزلتهاش» سكتت الأم واكتفت بدعائها للابن والابنة أن يحفظهما الله، غادر محمد منزله يوم الاثنين عصراً ولم يعد إلا بعد انتصاف ليلة الثلاثاء 25 يناير «يومها كنا محتاجين فلوس عشان الدعم اللوجيستى اتصلت بأحمد عبدالجواد، مسئول لجنة الطلبة فى الجماعة، وكان مسافر وقاللى أكلم إسلام لطفى وفعلاً إسلام والقصاص وأنا اتصرفنا فى 500 جنيه جبنا بيهم أكل ولوحات وطبعاً يومها قلنا إن الجماعة هى اللى دفعت، كان نفسنا الناس تحس إن الجماعة بتعمل حاجة حتى لو ماكانتش واضحة فى الصورة».
«مطعم الحايس» فى ناهيا كان هو نقطة الانطلاق التى اتفق عليها عباس مع باقى الحركات الثورية ليكون شباب الإخوان المتدربون على المواجهات والصدام مع الأمن فى طليعة الصفوف وكان لاختيار «الحايس» مركزاً للتجمع قصة أخرى «ماكنش ينفع إن كل مرة تنطلق المسيرات من مناطق بعيدة عن الطبقات الشعبية، ما ينفعش نروح نقف عند دار القضاء أو التحرير أو حتى مصطفى محمود اليوم اللى نزلنا فيه للناس، الناس صدقونا ومشيوا ورانا»، حشود ضخمة بدأت تتحرك من ناهيا فى اتجاه مصطفى محمود لم يصدق عباس كيف كان يخرج الناس إلى شرفات بيوتهم المتواضعة ليشاركوهم الهتاف «رأيت إحدى الأمهات تهتف فى البلكونة وتدفع بولدها لينزل يكمل معنا المسيرة وتقول له انزل معاهم وهات حقك من اللى نهبوه» لا يعلم إذا كان قد أخذ هذا الشاب حقه ورجع إلى أمه أم لم يعد أم صار كغيره ممن يبحثون عن ثورة جديدة تعيد لهم الثورة التى سرقت منهم فأصبحت غاية لا وسيلة.
«أسكت الله للجماعة حسها» طوال نهار 25 هكذا كان الحال فبعد البيان المقتضب الذى أعلنه الدكتور عصام العريان بعدم مشاركة الجماعة فى تظاهرات يوم 25 يناير لم يظهر أى تعليق للجماعة اللهم إلا هذا الخبر الذى سربه محمد عباس عبر «شبكة رصد» فى الساعة العاشرة صباحاً مفاده «مجموعات من شباب الإخوان تقود المسيرات من أمام مسجد مصطفى محمود»، كان هذا آخر علاقة للإخوان بالحدث إعلامياً فى ذلك اليوم «كنت حاسس إن واجبى تجاه جماعة أنا منتمى لها إنى أفضل أحافظ عليها حتى لو كنت مختلف عنها».
العمارة رقم 13 وحديقة الميدان أمامها كانت هى مقر التجمع كل ساعة كما اتفق الشباب من كل الحركات الثورية «الاتصالات انقطعت فى ميدان التحرير وماكنش فيه غير إننا نحدد موعد كل ساعة للقاء فى الحديقة لبحث الحالة»، أول اجتماع تم كان الساعة 3 بعد العصر وكان من بين الحضور بالإضافة للشباب الداعين للثورة «إبراهيم عيسى، أسامة الغزالى حرب، كمال أبوعيطة، نوارة نجم» أما جماعة الإخوان «فلم يحضر أحد» اللهم هذه المجموعة الشبابية التى قادت جموع شباب الجماعة المشاركين، لم يتم ثمة اتصال بين الجماعة وشبابها طيلة يوم 25 يناير حتى السادسة مساء كما يتذكر عباس مؤكداً أن ما دفعهم للاتصال هو رؤيتهم أن الأمر لن يقف عند هذا الحد «زميلنا إسلام لطفى اتصل بالدكتور عصام العريان يطلب منه ضرورة النزول وأن لا بد للنخبة الإخوانية أن توجد» فرد الدكتور العريان: «هو إيه اللى بيحصل بالظبط أصل أنا مشيت من وقفة دار القضاء من الساعة 3 ومن ساعتها مش عارف حاجة»، لم تتفاعل الجماعة مع الحدث كما كان يأمل الشباب الإخوانى «حتى الدعم اللوجيستى من بطاطين ومواد إعاشة للمعتصمين لم يتم الاستجابة لها» بل كان رد الفعل البطىء وعدم الاستجابة لهم سبباً فى أن يتخذوا قراراً بالذهاب إلى مكتب الإرشاد فى المنيل فى الساعة العاشرة والنصف من مساء 25 يناير «إسلام لطفى وهانى محمود وأحمد نزيلى» ليقنعوهم أن الوقت لم يعد فى صالح الجماعة وأن عليها أن تختار بين أن تظهر الآن أو تختفى إلى الأبد، عباس الذى أقر بأن الاجتماع فى هذا اليوم شهد سجالاً مطولاً بين زعامات الجماعة وشبابها انتهى بأن ذهب الدكتور البلتاجى إلى التحرير كى ينقل الصورة إلى الإرشاد بدون «مبالغات الشباب» وهنا قررت الجماعة أن تغير خطتها وأن تدعو شعب مصر للنزول يوم 28 يناير «جمعة الغضب» وكان ذلك أول ظهور لقيادات الجماعة فى ميدان الثورة.
مسئول قسم «الطلاب» فى جماعة الإخوان والقيادة الشبابية الإخوانية التى التزمت كثيراً بتعليمات قاداتها «أصحاب الخبرة»، لم يكن يعرف أن يوماً ما سيأتى ويكون عليه أن يختار بين أن يحب وطنه على طريقته وبين أن يحبه على طريقة «الجماعة»، أن يكمل حياته شاباً حماسياً ثورياً أو ينضم إلى طابور «حكمة الشعر الأبيض» فى مكتب الإرشاد وهنا اختار «محمد القصاص»، عضو ائتلاف شباب الثورة، والعضو المؤسس بحزب التيار المصرى، والعضو «المفصول» من جماعة الإخوان المسلمين، أن يكمل طريقه إلى ميدان «التحرير»، بينما اختارت الجماعة أن تبقى فى «المنيل».