«حريق القاهرة» يتكرر فى الإسكندرية.. و«الوطن» ترصد الاشتباكات بين الأمن والثوار
ليست بعيدة عن حريق القاهرة، من حيث الشكل، تلك هى الأحداث التى شهدتها الإسكندرية مساء ليلة 25 يناير، مع اختلاف التفاصيل، حيث أجمعت المصادر الرسمية وشهود العيان، على أن الحادث الذى اندلع فى 26 يناير 1952 كان مدبَّراً بواسطة مجموعات على مستوى عالٍ من التدريب والمهارة تابعة للقصر الملكى، بينما تسبّبت المئات من القنابل المسيلة للدموع فى 2013 فى إشعال النيران فى صناديق القمامة والأشجار لوقف التأثير السيئ للغاز، ضمن أحداث عنف أسفرت عن إصابة 113 شخصاً، بينهم ضابط ومجند.
تسبّبت الغازات المسيلة للدموع من قِبل قوات الأمن، والدخان المتصاعد من حريق إطارات السيارات داخل التظاهرات وإشعال الأشجار والقمامة خارجها، فى تكوين سحابة سوداء فى سماء المدينة، الأمر الذى أعاد إلى الأذهان حريق القاهرة وأحداث يناير «77» وثورة 25 يناير.
الكر والفر الذى دار بين المتظاهرين والقوات على مدار أكثر من 15 ساعة متتالية دون هوادة، يثير فضول المراقبين، لمعرفة تفاصيله، حيث يبدو وكأنه خطة عالية المستوى من الجانبين، فقوات الأمن كان هدفها الوحيد هو إبعادهم عن محيط المجلس الشعبى المحلى، وهو المقر المؤقت لمحافظة الإسكندرية، الذى يحتوى على مكتب الدكتور حسن البرنس، نائب المحافظ والقيادى الإخوانى البارز.
ودون سابق ترتيب أو معرفة، نسّق المتظاهرون الأدوار فيما بينهم، حيث حاولوا الاقتحام من 3 نقاط مختلفة أولاها المدخل الرئيسى للمبنى من منطقة محطة الرمل، وهى الأكثر اتساعاً، حيث يبلغ عرض الشارع أكثر من 40 متراً، الأمر الذى يسمح بتدفُّق أكثر من 6 آلاف متظاهر دفعة واحدة، فيما قسّم زملاؤهم أنفسهم على الجهتين اليمنى من ناحية محطة مصر واليسرى من ناحية استاد الإسكندرية، لمحاولة تفريق جهود قوات الأمن قدر المستطاع.
بدت محاولات هجوم المتظاهرين كأمواج البحر، حيث انقسموا إلى 3 صفوف طولية بشكل عفوى، الأول هو الأكثر جرأة وإقداماً وهو المستعد دائماً للاشتباك بالأيدى والأدوات والآلات مع أفراد الأمن، وهو الذى تحمّل الوقوف لفترات طويلة فى الغاز المسيل للدموع مع تلقى ضربات عصى الأمن والهراوات والرصاص المطاطى وقت اللزوم، والصف الثانى هو المسئول عن دعم «المتشابكين» لوجيستياً عبر إعطائهم ما يلزم من حجارة وزجاجات وغيره لقذف قوات الأمن ومواجهة ضرباتهم، ثم الثالث ودوره يقتصر على الهتاف وتسخين الأوضاع، ولفت أنظار المارة إلى حثهم على المشاركة فى التظاهرات.
وأدرك الأمن متأخراً أهمية الصفوف الأخيرة، فألقى القنابل عليها فى وقت متأخر، مما سمح لهم بجذب أكبر عدد من الجماهير.
وفى الوقت الذى يمتلك فيه جهاز الأمن إمكانيات متطورة تحدد لهم بدقة موقع قذف القنابل المسيلة للدموع، لقذفها على أكثر مواقع الاشتباكات تأثيراً، استطاع المتظاهرون ببساطة بالغة الإمساك بالمقذوف وإلقاءه على الجنود مرة أخرى، مما يحوِّل تأثيره إلى الجنود، بالإضافة إلى إشعال النيران فى الإطارات لقتل تأثير الغازات، حيث يؤثر غاز ثانى أكسيد الكربون على الغاز المسيل للدموع.
على الجانب الآخر، أمّنت قوات الأمن نفسها، تجنباً لنفاد أسلحتها قبل انتهاء الاشتباكات، الأمر الذى أوقع بأفرادها فريسة بين أيدى المتظاهرين، حيث أمّنت الجهة الرابعة من المجلس المحلى فى الشارع الرئيسى بجوار محطة السكة الحديد، لاستقبال الإمدادات من أفراد ومعدات وأمتعة وأسلحة، من المديرية، كما فتحت طريقاً داخلياً من مبنى المجلس المحلى على المبانى المجاورة له، للاستقبال من خلاله فى حالة نجاح المتظاهرين فى السيطرة على الطريق الرابع. يقول اللواء ناصر العبد، مدير مباحث الإسكندرية، إن قوات الأمن تمكنت من ضبط 24 متهماً خلال أحداث المجلس المحلى وتم عرضهم جميعاً على نيابة العطارين، كما طلبت المباحث إذناً من النيابة العامة بضبط وإحضار آخرين.
وأضاف أن عدد المصابين من بين قوات الأمن وصل إلى 17 مصاباً، بينهم 4 ضباط، و13 مجنداً، موضحاً أن قائد أحد معسكرات الأمن المركزى بالإسكندرية من بين المصابين.
وزارة الصحة كباقى مؤسسات الدولة، ليس لها وجود حقيقى داخل الأحداث، حيث تقبع سيارات الإسعاف بعيداً عن التظاهرات، فى انتظار نقل المصابين إليها، فى الوقت الذى يسعف فيه طلاب صغار السن فى كلية الطب بجامعة الإسكندرية، المصابين داخل موقع الأحداث، وكان لهم الفضل الأكبر فى إنقاذ أرواحهم وعدم وقوع وفيات فى اشتباكات المحافظة.
يقول الدكتور محمد الشرقاوى، وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية، إن عدد المصابين الذين نقلتهم سيارات الإسعاف التابعة للوزارة وصل إلى 96 مصاباً، نافياً وجود أى حالات وفاة بين مصابى الإسكندرية.
كان المستشفى الميدانى بمحيط المجلس المحلى بالإسكندرية، أحد شهود الإثبات على الأحداث الدامية. ويقول الدكتور طاهر مختار، عضو مجلس نقابة الأطباء وأحد الأطباء بالمستشفى الميدانى، إن المستشفى الذى استقبل مئات المصابين كان شاهداً على العزيمة والشجاعة للمتظاهرين الذين أصيب بعضهم بحالات إغماء وتم نقلهم إلى المستشفى وبعد إسعافهم رجعوا مرة أخرى، لافتاً إلى أن الكثير منهم بعد إصابتهم عدة مرات بحالات اختناق فقدوا وعيهم، وكانت حالتهم خطيرة.
وفى مشهد يحمل الكثير من المعانى بين طيّاته، حمل متظاهرون لافتات أثناء التظاهرات، كتبوا عليها «سجل يا تاريخ حتى لا يقول الإخوان إنهم أول من شارك فى الثورة الثانية وتظاهر ضد محمد مرسى»، و«الإخوان المسلمون: نحمل النحس لمصر»، و«اليأس خيانة».
كما حمل هجوم المتظاهرين على المجلس الشعبى المحلى، رمزية بالغة الأهمية، حيث لم يهاجموا استراحة المحافظ، الأمر الذى يؤكد استهدافهم لـ«الرأس الإخوانية» بالمحافظة، وبخاصة بعد تعرُّض «البرنس» لاعتداء أثناء تفقُّده تطوير مزلقان فيكتوريا، وقال إنه تلقى تهديداً بالقتل نصه: «شوف لك جُحر استخبى فيه يا دكتور لأنى بكرة حاقتلك بمسدس 9 مللى فى راسك، ماتصليش الجمعة أحسن لك».
اللافت للنظر أن المتظاهرين ليس لهم قيادة، كعادة التظاهرات التى تدعو إليها القوى المدنية والثورية، وبالتالى لا يأتمر المشاركون بأمر أىٍّ من كان، سواء كان قيادياً سياسياً أو أحد الشباب داخل الميدان، الأمر الذى سبب إرهاقاً بالغاً لقوات الأمن والمسئولين.