"محمد".. بائع عصير قصب بدرجة "باشمهندس"
محمد النبتيتي
يقضي نهاره بين أكواب العصير المثلج في محل صغير بأحد شوارع المحروسة، يقدمها للمارة بابتسامة يخفي بها إرهاقه من مواصلة الليل بالنهار، ليحصل في آخر اليوم على جنيهات قليلة تساعده في الإنفاق على دراسته، وما إن يصل إلى المنزل حتى يخلع زي العامل ويرتدي زي طالب العلم، ويقضي جزءا كبيرا من الليل بين كتبه حتى يغلبه الإرهاق فينام، ثم يستيقظ باكرا ويجلس بين صفوف طلاب قسم "كهرباء باور" بكلية الهندسة بإحدى الجامعات الخاصة، وما إن يفرغ من محاضراته، حتى يهرول إلى محل العصير لكسب رزقه.
محمد السيد النبتيتي (21 عاما، طالب بالفرقة الثانية بكلية الهندسة قسم كهرباء باور) لا يخجل من عمله في محل العصير، ويتحمل جميع الأعباء، في سبيل حصوله على لقب "الباش مهندس" بعد أن جاء إلى المحروسة مغتربًا من إحدى القرى الصغيرة بمحافظة الشرقية طلبًا للعلم.
كلية الهندسة كانت حلم محمد الوحيد، إلا أن مجموعه منع تحقيق هذا الحلم، وفي سبيل إعادة إحياء الحلم من جديد اضطر والده لإدخاله جامعة خاصة، إلا أن المهندس الصغير رفض أن يتحمل والده تكاليف دراسته على كاهله بمفرده، فاضطر للنزول إلى سوق العمل مُبكرًا حتى يتمكن من تحقيق أحلامه فيقول: "الحمد لله أبويا بيشقى وبيتعب وبيدفع لي جزء من مصاريف الكلية للأسف علشان كان حلمي هندسة، بابا دخلني هندسه خاصة علشان مزعلش والحمد لله ماشيه بالستر".
"طول عمري طموح وبحب أعتمد على نفسي.. ومن صغري وأنا بشتغل وبجيب هدومي لنفسي من أولى إعدادي"، هكذا أوضح المهندس الصغير كيف بدأت قصة اعتماده على نفسه ومساندة أسرته في مواجهة الحياة.
"الشغل مش عيب" سياسة محمد في حياته فيقول: "مبقولش لأي شغل لا.. اشتغلت حاجات كتير بدأت بتجارة قطع الغيار في بورسعيد.. واشتغلت فترة كبيرة في صناعة الستاير، ودلوقتي واخد سكن جنب الكلية، واتصاحبت على صاحب محل العصير اللي جنبي، وبقيت بنزل وردية بعد الكلية بقالي فترة صغيرة لحد لما ألاقي شغل تاني أحسن شوية".
الدراسة هي قضية "محمد" الأساسية التي لا يسمح لعمله أن يؤثر عليها فيقول: "أيام الدراسة بختار شغل خفيف، إنما في الإجازة بيبقى فيها شغل تاني وتالث، وبشتغل في شركة بيع مباشر علشان بتعوز وقت كبير وتركيز"، ويتابع: "الحمد لله على كل شيء وأبويا وأمي مشجعيني".
طموحات "محمد" ونجاحاته لم تتوقف عن حدود العمل والدراسة فحسب، فالهواية أيضًا لها نصيب كبير من حياته، فهو المسؤول عن اللجنة الفنية، والمسرح في جامعته، ويسعى جاهدًا للحصول على فرصة ملائمة في التمثيل.