بيزنس «مشايخ التراويح».. «من طال نفَسُه وحسن صوته»
آلاف يؤدون صلاة التراويح فى شهر رمضان الكريم
مع ارتفاع أذان الإقامة لصلاة التراويح فى شهر رمضان، يسرع الكثيرون إلى المساجد، للاصطفاف خلف الشيوخ والأئمة الذين يخشعون خلفهم، وبعد ساعات من انتهائها، يتبادلون الحديث حول عذوبة وحلاوة المقرئين، وتفضيل بعضهم على بعض، خاصة فى القرى والمناطق الريفية التى تشهد تجمعات رمضانية، الأمر الذى نتج عنه انتعاش «سوق» المقرئين، الذين يتم استقدامهم لإمامة المصلين فقط فى شهر رمضان، مقابل مبالغ مالية، وبعد أن كانت تلك المبالغ «هبة» يدفعها القائمون على شئون المساجد من الأهالى إلى المقرئين، تحولت الآن إلى عقود اتفاق ثابتة ومحددة الشروط، تشهد تنافسية كبرى للفوز بالمقرئين أصحاب الصوت العذب، مقابل علو قيمة أجره.
أسعار الإمامة تتراوح بين 7 و45 ألف جنيه شهرياً.. و«محمود»: إمام المسجد طلب 30 ألف جنيه بعدما كان يحصل على 7 آلاف
ورث محمود أحمد، أحد أبناء مدينة قويسنا بمحافظة المنوفية، مسئولية إدارة مسجد خاتم المرسلين عن والده، الذى توفى منذ ثلاثة أعوام، فقرر أن يسير على دربه، ويحيى ليالى شهر رمضان بأحد المقرئين الذى اعتاد والده على المجىء به كل عام لإمامة المصلين فى صلاتى العشاء والتراويح طوال الشهر، وصلاة التهجد فى الليالى العشر الأخيرة، وعلى الرغم من استطاعته مواصلة مشوار أبيه بعد عام على وفاته، إلا أن طلب المقرئ مبلغاً يُضاعف اتفاقه السابق مع والده حال دون استمرار الاتفاق مع الشيخ.
يقول محمود «كان والدى يدفع مبلغ 7 آلاف جنيه لشيخ شاب يأتى من محافظة البحيرة، بجانب إقامته الكاملة على مدار الشهر، وبعد أن ذاع صيته، وأصبح الناس يأتون إليه من القرى القريبة والمحيطة بنا، طلب رفع أجره إلى 10 آلاف جنيه، وعلى الرغم من موافقتى على ذلك، إلا أننى فوجئت بتهربه، ولم يتم الاتفاق بيننا للعام الجديد، بعد أن أخبرته بأننى لن أتمكن من رفع أجره أكثر من العام الماضى، وبعد محاولات عديدة فشلت فى الوصول إليه، وبعدها عرفت من أحد المقربين منه بأنه تلقى عرضاً من أحد المساجد الرئيسية الكبرى فى محافظة البحيرة بمبلغ 30 ألف جنيه».
لم تنته القصة عند ذلك، يؤكد محمود «تسبب عدم مجيئه فى غلق أبواب المسجد لأيام عديدة فى شهر رمضان من العام الماضى، خاصة أن المسجد يقع على طريق مصر إسكندرية الزراعى وليس فى محيط سكنى أو قروى، مما يجعل مجىء المصلين إليه وترك المساجد القريبة منهم، لا بد له من حافز، الأمر الذى دفعه لمحاولة الاتفاق مع الشيخ مرة أخرى بعد أن قام بتدبير مبلغ الثلاثين ألف جنيه التى كان قد طلبها العام الماضى، ليفاجأ تلك المرة بطلب الشيخ مبلغ 45 ألف جنيه» موضحاً «العروض عليه كتير والناس كلها عشمانة فيه، فمش هيقدر يخلع منهم، ولكن لو هياخد الـ45 ألف جنيه، هيعتذر لهم ويحاول يدبر لهم شيخ تانى يكون صوته كويس».
داخل مسجد أم القرى بمدينة كفر شكر فى محافظة الدقهلية، يتراص مئات المصلين فى صفوف منتظمة داخل محيط المسجد وخارجه، يسرع كل منهم فى الوصول مبكراً قبل أذان العشاء، للفوز بموقع متميز يمكنه من الاستماع ومشاهدة الشيخ الذى جاء إليهم من محافظة الغربية منذ عامين، ليحيى ليالى شهر رمضان، والذى يتميز بعذوبة الصوت وحسن الأداء، والقدرة على خلق جو رمضانى مميز.
لجأ سامى منصور، أحد أهالى كفر شكر، لكتابة قائمة بأسماء «المقتدرين مادياً» من أبناء المدينة لتجميع مبلغ 25 ألف جنيه، قيمة أجر الشيخ طوال الشهر، الذى اتفق عليه قبل مجيئه للعام الثانى على التوالى، بزيادة قدرها 7 آلاف جنيه عن العام الماضى، يقول «سامى»: «أحد الوسطاء بين القائمين على شئون المسجد وبين الشيخ، أخبرهم منذ عدة شهور بأنه تلقى عرضاً من أحد المساجد فى حى الرمل بالإسكندرية قدره ثلاثين ألف جنيه، وأن الشيخ قرر التنازل عن مبلغ 5 آلاف جنيه فى سبيل عدم تركه لمسجدهم، مما دفع القائمين على المسجد للموافقة على طلبه حتى لا يخسروا الأرضية الكبيرة التى تقدر بآلاف المصلين الذين عرفوا طريق المسجد منذ العام الماضى، واعتادوا الصلاة فيه، على عكس ما كان يحدث فى السنوات الماضية».
«هنعمل إيه، الناس بتحب الصوت الحلو والشيخ الصييت، وبييجوا يصلوا وراه من غالبية القرى والمناطق اللى حوالينا، فماقدمناش حل غير إننا نجمع له المبلغ اللى هو عاوزه، والسنة الجاية لو طلب أكتر برضه هندفع له، طالما الناس عاوزة كده»، يستطرد الرجل الخمسينى، أن «فاعلى الخير لا يمانعون فى التبرع بمبالغ مالية تفوق أجر الشيخ، دون المساس بباقى أبواب الخير التى اعتادوا فعلها».
فى مسجده الصغير، أسفل المنزل الذى يمتلكه فى شارع محى الدين أبوالعز بحى الدقى، أجرى محمد مسعود صيانة شاملة تتضمن تغيير فرش الأرضية، ودهان الحوائط، بالإضافة لشراء سماعات صوت جديدة، لكى يظهر صوت الشيخ الذى سوف يأتى للصلاة به فى شهر رمضان، والذى اتفق معه صاحب المسجد على ترك المسجد الذى يعمل به فى مدينة الرحاب، خلال شهر رمضان فقط، مقابل منحه مبلغ 8 آلاف جنيه، وهو الأمر الذى اعتاد عليه كل عام لـ«كسب ثواب» فى المحيطين بالمسجد، على حد تعبيره.
يرى مسعود أن الاتفاق مع الشيوخ من أصحاب الأصوات العذبة لإحياء ليالى رمضان أمر يتكرر معه منذ سنوات عديدة، وخلال الثلاثة أعوام الأخيرة اتبع بعض الشيوخ أسلوب المراوغة من أجل الحصول على مبالغ مالية مرتفعة عن التى تقاضونها فى الأعوام السابقة، عن طريق الترويج لأنفسهم بأنهم سوف يقومون بالسفر إلى باكستان وتنزانيا أو غيرهما، بما يعنى أنهم «وصلوا للعالمية»، فيضطر القائم على شئون المسجد لرفع أجرهم، خشية أن يقوم المسجد القريب منه باستقدام أحدهم من أصحاب الأصوات الجذابة، فينتج عن ذلك انخفاض أعداد المصلين داخل مسجده من ناحية، ولوم بعض مرتادى المسجد الدائمين عليه واتهامه بالتقصير والتسبب فى ضياع روحانيات الشهر الكريم.
يقول الدكتور إسلام النواوى من علماء وزارة الأوقاف، إن النبى صلى الله عليه وسلم أمرنا بأن نزين أصواتنا بالقرآن وأن نتغنى به، فالقرآن هو كلام الله، وعلى قارئه حسن الأداء تلاوة وحكماً، وفى حالة إمامة الناس فى الصلاة، فإن حسن الصوت وحده ليس كافياً لصاحبه، وعليه أن يكون ملماً بأحكام الصلاة، وحافظاً لكتاب الله، وعالماً بأحكام التجويد، بالإضافة إلى حسن الصوت.
وأضاف «النواوى» أن الصلاة عبادة تحتاج إلى ترقيق قلوب الناس بحسن أدائها، ولكن ظهور بعض الأشخاص فى الآونة الأخيرة الذين يتمتعون بحسن الصوت ويتفاوضون مع الناس لأداء الصلاة مقابل مبلغ مالى، مشكلة دينية كبرى، لأن القرآن ليس سلعة يتحكم فيها جمال صوت القارئ، لأن كلام الله ليس ملكاً لأحد، لذلك فإن المبالغات التى نراها من البعض فى المزايدة فى تلك الأسعار والمبالغ التى نسمعها غير منطقية، فإذا كان الفقهاء أجازوا تقاضى الأجر فعلينا أن نراعى أيضاً أنها عبادة وليست تجارة.