■ أعرف أنك ستقول إنها «حلاوة روح». لكن بعض الماركسيين ليسوا راضين عن «سليم البدرى» بعد كل ما حدث للماركسية..
- هؤلاء الناس ما زالوا مرتبطين بقوالب وأدبيات مذهبية جامدة: إنك أنت لما تحبب الناس فى الباشا تبقى بتحابى الرأسمالية. هم غير مدركين أنه -حتى على مستوى الفن والأدب- انتهى مذهب «الواقعية الاشتراكية». فطست من زمان، والعالم تغيرت فيه المفاهيم، وقيمهم وأفكارهم أصبحت خاضعة لجدل كثير. وهم أيضاً لا يدركون افتقار المنهج الواضح والصحيح، وكل ما فعلته فى «الحلمية» أننى أنادى بالوصول إلى منهج محدد، وما دمنا دخلنا دوامة الاقتصاد الحر وحسمنا اختيارنا إلى حد كبير فى هذا الاتجاه.. فلابد أن يكون النموذج «سليم البدرى».. همه بقى زعلانين ليه!.
■ الناصريون أيضاً فرحوا بـ«الليالى».. لكن «سليم البدرى» كان شوكة فى حلوقهم!
- الحقيقة أن أشواكاً كثيرة تقف فى حلوقهم. مشكلة الناصريين أنهم عجزوا عن إقامة حوار جدلى بين تجربة عبدالناصر والمتغيرات التى استجدت بعد رحيل الرجل. فهم يرتكبون الخطأ الذى وقع فيه غلاة اليمين أو الوفديون العائدون. الناصريون اعتبروا أن بينهم وبين عصر ما قبل الثورة ثأراً لا تنطفئ ناره، والثأر هو مجرد «قيام الثورة» فى حد ذاته. فكيف أطرح نموذجاً من هذا العصر البغيض وأقول: إن هذا ما نحتاجه لمصر هذه الأيام!. لا بد أن يتخلص هؤلاء الناس من عقدة العداء للعهد الملكى لأنه تاريخ كتب وانتهى. والعداء كان مبرراً عندما كانت الثورة فى سنواتها الأولى مندفعة بزخم الآمال العريضة. لكن الثورة الآن «صفيت» ولم يبق منها سوى الحلم الناصرى. وللأسف لم يسهم أحد منهم فى أى شىء يخص الحوار الذى تحدثت عنه. تجمدوا عند مرحلة الميثاق و«بيان 30 مارس» ووقعوا فى الخطأ الذى ستكون من نتائجه القاسية تصفية حقيقية لمجمل الحلم الناصرى.
■ تعرف يا أستاذ أسامة إننا نعانى من مشكلة: كل القوى السياسية تدافع عن ماضٍ لن يقدم ولن يؤخر. كلنا سلفيون. يمين ويسار ووسط. لا أحد يريد أن يتطلع إلى الأمام. وأنت أيضاً.. واقف بـ«سليم البدرى» عند ماضٍ لا شأن لنا بالخلاف أو الاتفاق عليه.. لكننى أختلف معك فى المبدأ!
- ليس هذا ما قصدته فى «الحلمية». أنا أطرح اختيارات، ولا أطالب بالعودة إلى «كل» عصر «سليم البدرى» لأنه عصر مختلف بظروف مختلفة.. كنا وما زلنا نختلف مع غالبية مفرداته: الملكية المستبدة.. الإقطاع.. الفساد السياسى.. الأحزاب التى تناور وتلعب بقضايا الناس.. كل هذه أمور أرفضها. لكن سليم لا يمثل كل ذلك.
■ هو فى النهاية يحمل حلماً قديماً..
- حلمه كان شخصياً.
■ ثم إنك وضعت «سليم» فى مواجهة مع ابنه «على» وحسمت الصراع بين «على ابن علية» و«على ابن سليم» لصالح الأخير، وكنت قاسياً فى تأزيم «على» فى الحالتين.. ما الحكاية؟
- لا تقس الأمور بمعيار أخلاقى. عندما نتحدث عن «على» لا بد أن نتحدث عن «ناجى السماحى». الأول لم يستطع -بسبب كثرة الصدمات- أن يستمر كما كان. هذا مستحيل على المستوى الفكرى والنفسى والإنسانى، كما أنه خطأ من الناحية الدرامية. لماذا؟.. لأن «على» هو ابن سليم (هذا ما قالته أنيسة فى أحد المشاهد). فأين المواجهة!. «على» ليس بالضبط رمزاً للناصريين لكى يقال إنها «مواجهة». «على» واحد من ملايين الشباب الذين ارتطمت أحلامهم بالأرض فى 67. حاولوا أن يستعيدوا توازنهم بعد ذلك. توحدوا بشكل أكبر مع شعارات المرحلة. دخل منظمة الشباب والتنظيم الطليعى وفوجئ بسبب انتمائه أنه صار متآمراً خائناً ودخل السجن بحكم محكمة. خرج يبحث عن قشة يتعلق بها، وكان كل شىء قد أصبح حطاماً. لم تكن هناك مؤسسة أو نظام يستوعبه إلا ثروة أبيه.. ثروة تتيح له فرصة الرد على كل من داسوا أحلامه وقهروه، فكيف نلومه على هذا التحول؟
■ أنت أحبطتنا!.
- أنا أرثى نفسى فى «على البدرى». «ليالى الحلمية» مرثية لهذا الجيل. هذا الجيل كان على موعد مع القدر، لكن السفينة خرجت بأحلامه ولم يعد فيه فائدة، والأمل فى جيل آخر لا يحمل كل هذه الأوزار، جيل ربما أتت به «زهرة» بعد أن ابتسمت لها الدنيا وتزوجت «حازم» (عبدالرحمن على)، أو ربما تأتى به «سهيلة»، الفلسطينية التى تزوجها «عادل البدرى» بدلاً من السينما، وحملت منه.. قول يا رب!!
وغداً يتجدد الحوار