تعاويذ وجن وسحر ونصب وحب
صورة أرشيفية
«جلب الحبيب وإغلاق قلبه بالقفل والمفتاح»، «تشترى قفل نحاس جديد وتكتبى على القفل اسم الحبيب وتقولى...»، «لجلب الحبيب بالصورة تكتبى على صورة الحبيب من الظهر...»، «لجلب الحبيب لخطبتك ضعى الحنة وأطلقى شعرك فى ساعة متأخرة من الليل وقولى...»، كلها عبارات استخدمها أشخاص أعطوا لأنفسهم لقب شيوخ، وظهروا فى بعض القنوات التليفزيونية من خلال إعلانات كان عنوانها «سحر جلب الحبيب».
اعتدنا منذ سنوات طويلة أن نسمع أو نشاهد فى المسلسلات التليفزيونية عن أمهات يئسن من تأخر بناتهن فى الزواج، فاصطحبنهن إلى أحد الشيوخ طلباً لـ«فك العقدة» أو إبطال سحر طال الفتاة فحرمها من أن يراها أحد الشباب ويختارها شريكة حياته، ولكن هذا الأمر كان يحدث عادة فى الخفاء لا يعلم عنه الكثيرون، ولا يتم الإعلان عن أماكن هؤلاء الشيوخ وكيفية الوصول إليهم إلا لطالبى هذه الخدمة فقط، لكن بعد التطور التكنولوجى الهائل والتوسع فى إطلاق القنوات الفضائية أصبحنا نشاهد إعلانات «جلب الحبيب والحبيبة» فى الفواصل خلال عرض المسلسلات والأفلام، دون أن تجد تلك الإعلانات أو معلنوها أى رادع أو رقيب يمنعهم.
دجالون يتاجرون بـ«حب الشباب» ويعلنون عن طرق لـ«جلب الحبيب والحبيبة فى 24 ساعة»
منافسة شرسة عبر مواقع الإنترنت أبطالها أشخاص ذوو «لحى» وسيدات منتقبات يتحدثون عن سهولة جلب الحبيب والحبيبة فى أقل من 24 ساعة باستخدام وسائل عدة، بداية من الإعلان عن استخدام قلادات روحانية للمحبة وخواتم لزرع المحبة فى القلوب، وصولاً إلى الإعلان عن استخدام آيات من القرآن الكريم.
قمنا بمحاولة التواصل مع أكثر من شيخ عبر استخدام الأرقام المعلنة فى التلفاز لمعرفة الإجراءات التى يتخذها من يطلقون على أنفسهم «الشيوخ الروحانيين» لجلب الحبيب والحبيبة.
«التهامى» هو اسم أحد الشيوخ الذين يدعون قدرتهم على جلب الحبيب والحبيبة، تواصلنا معه بعد محاولات دامت لأكثر من يومين، وعندما أجاب على هاتفه فى النهاية رد متسائلاً «إيه مشكلتك يا حبيبتى»، أجبته: أريد جلب الحبيب، سألنى عن اسمى ومحل إقامتى، واسم والدة «الحبيب المفقود» ومحل إقامته، وعندما أجبته أنى لا أعرف تفاصيل كثيرة عنهم قال «مفيش مشكلة»، وطلب أن أرسل له على «الواتس آب» صورتى واسم والدتى وصورة الحبيب المفقود ليحل الأمر ويحدد تكلفته.
وعندما ألححت عليه لمعرفة التكلفة، قال إنه لا يستطيع تحديدها إلا بعد الكشف والتحرى عنى وعن «الحبيب المفقود» من خلال الصور، ليعرف إذا كان هناك «أعمال عليا» ليتخلص منها أولاً وأن التكلفة ستتحدد وفقاً لكل تلك الأمور.
سكرتير الشيخة «خديجة» -وهى إحدى اللاتى يعلنَّ عن أنفسهن تحت مسمى شيوخ جلب الحبيب- قال إن الكشف تصل تكلفته إلى 300 جنيه يتم تحويلها على رقم الشيخة عن طريق «كروت شحن» فودافون أو اتصالات بالمبلغ، وإرسال البيانات مثل الاسم والعمر واسم الوالدة ومحل الإقامة وتاريخ الميلاد، وبعدها يتم التواصل مع الشيخة وعرض المشكلة وحلها تليفونياً، لأن المقر فى شرم الشيخ.
أحدهم يطلب اسم الأم والأب ووالدة الحبيب.. ويؤكد «لو عليكى أعمال التكلفة أعلى»
دكتور علم النفس، محمود أبوالعزايم قال إن لجوء الإنسان إلى السحر عادة منذ القدم وتعود لزمن الفراعنة، وهو يكون بنسبة أكبر عند الفتيات، وذلك لقلة الاختيارات التى يوفرها لهم المجتمع، فيضطررن للجوء للغيبيات لتحقيق رغباتهن بدلاً من التعبير عن مشاعرهن.
واتفق معظم الشباب على عدم اقتناعهم بهذه الأعمال، وأن الاعتراف بالمشاعر أفضل كثيراً من اللجوء إلى الغيبيات، فقال أحمد عوف (30 سنة) إنه لا يؤمن بهذه الأعمال، والأفضل لكل من الفتيات والشباب التعبير عن مشاعرهم بموضوعية بدلاً من اللجوء للغيبيات.
وأكد مصطفى عيد (22 سنة) أنه يؤمن بأن السحر موجود ولكنه غير مقتنع به، وأنه يرى أن تعبير الفتاة والشاب عن حبهما فى هذه الحالة أفضل من اللجوء للمشعوذين، حتى وإن لم يكن هذا السائد فى المجتمع.
أما «هند. م» فقالت إنها لن تفكر فى هذه الأعمال لأن كل شىء يحدث فى الدنيا قسمة ونصيب، ولو كانت هذه الأعمال حقيقية لما بقيت هناك مشاكل فى الحياة، ولكن المشعوذين يستغلون قلة وعى الشباب ورغبتهم فى الوصول السريع لأحلامهم دون بذل أى مجهود، وأنهت كلامها «هؤلاء هم من يعطون قيمة للمشعوذين ويجعلونهم يعلنون عن أنفسهم بكل أريحية عبر الفضائيات ومواقع الإنترنت».
أما أسماء محمد (23 سنة) فقالت إنها لن تفكر فى استخدام هذه الطرق التى يتبعها من يطلقون على أنفسهم وصف شيوخ لأن الحب والزواج يجب أن يكون عن اقتناع، وأنها لن تشعر بأى اطمئنان إذا كان هناك سحر وأعمال روحانية تجبر شريكها على البقاء، ففى هذه الحالة سيتركها إذا زال مفعول السحر، وشاركتها فى الرأى هدير سعد (26 سنة)، وقالت «هذه الأعمال تعتبر نوعاً من أنواع الاغتصاب العاطفى».
أحمد فتحى (21 سنة): «الأفضل أن أصل إلى حبيبتى بالطرق المعتادة بأن أسعى لخطبتها وأن أبذل قصارى جهدى لتقتنع بى هى وأهلها، أما بالنسبة للفتاة فلو صارحتنى بالأمر سيكون أفضل حتى لو كان المجتمع يعتبر هذا الأمر معيباً، ولكن فى الحقيقة العيب الأكبر هو جلبى بالسحر». الحاجات دى مش بالعافية
وأشارت يسرا الصحفى (23 سنة) إلى أنها لن تفكر فى اللجوء لهذه الأعمال، ولكنها ترى أن انتشار هذه الأفكار فى المجتمع وانجذاب البعض وراءها رد فعل طبيعى لما تشاهده الفتيات من رومانسية وهيام فى المسلسلات التركية وصفحات «الفيس بوك» التى تضخم أى حدث وتحوله لمشهد رومانسى، مما يجعل الفتاة تشعر أن الكل من حولها يحب.
وأضافت «يسرا» أن سطحية التفكير جعلت الفتيات يجعلن الحب والزواج أكبر نجاح يمكن تحقيقه، إلى جانب المعتقدات الاجتماعية بأن «البنت جوازها ماينفعش يتأخر».
الشيخة «خديجة» تطلب 300 جنيه رصيداً على الموبايل ثمن الكشف تليفونياً لأن مقرها فى «شرم الشيخ»
«لو أن جلب الحبيبة بالسحر حقيقى وانجذبت نحوى الفتاة أو انجذبت إليها بالسحر، وعلم أحد الطرفين بالحقيقة فإن هذا سيؤدى إلى تحول الحب إلى كراهية، لأنه لا يمكن لحياة أن تبدأ بالخداع»، هكذا قال هشام عبدالله، مضيفاً «المصارحة هى الأفضل فى كل الأحوال وهى الطريق الأسهل للوصول إلى قلب الشاب أو الفتاة».
وعن رأى الدين، قال الشيخ إسلام النواوى، عضو لجنة الشباب لتجديد الخطاب الدينى بوزارة الأوقاف، إن الدين جاء ليربط الناس بخالقهم ويعلمهم أن الله هو القادر على كل شىء، ولا ننكر أن الجن له قدرات خارقة وهبها له الله يستغلها الدجالون ويلجأ لها ضعاف النفوس، وأن الأعمال الروحانية وسحر جلب الحبيب قد تنجح إما من خلال «ولى» واصل لدرجات عالية من العبادة، ولكن هذا محرم عليه شرعاً لأن استخدام قدراته قد يفتن الناس، أو من خلال دجال يستعين بالجن وهذا أيضاً محرم.
وأضاف الشيخ «إسلام» أن اللجوء لهذه الأعمال يكون غالباً من قبل الفتيات، مشيراً إلى أنه على الفتاة أن تدرك أن الزواج رزق لن تحصل عليه بالتحايل، فحتى لو أدى لها السحر نفعاً فإنه لن يدوم، ولكنها لديها سلاح أكبر هو الدعاء وطرق باب الله دون غيره.
وأوضح الشيخ «إسلام» أن الإسلام راعى المشاعر وخاصة الفتيات، وأن هناك شيئاً فى الإسلام يصعب تحقيقه فى المجتمع حالياً، وهو اختيار الفتاة، وأكبر الأدلة على ذلك قصة السيدة خديجة مع رسول الله، وتزويج النبى لابنته «فاطمة» من «على»، وتزويج «شعيب» لإحدى بناته من سيدنا «موسى».