«باور» للتكييف: من هنا كنا نصدر الأجهزة لأفريقيا وآسيا قبل الربيع العربى
عمال داخل مصنع «باور»
على مساحة 11.5 كيلومتر مربع مسقوفة بهناجر يصل ارتفاعها إلى نحو 20 متراً محاطة بسور كبير، يحوى بداخله نشاطاً محموماً لعمال مصنع «باور» للتكييفات، أحد أقدم مصانع التكييفات فى مصر، الذى أنشئ عام 1986 وقتها لم يكن فى مصر سوى شركة «كولدير» لمبردات المياه والتكييف، أقدم شركة فى مصر لإنتاج التكييفات والمبردات، التى أنشئت فى خمسينات القرن الماضى فى فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وفق عماد الدين مختار، نائب رئيس شركة «باور»، الذى اصطحب «الوطن» فى جولة داخل مصنعه بالمنطقة الصناعية بالعاشر من رمضان لشرح ما يتم استيراده من الخارج وما يدخل فى الصناعة من خامات مصرية خالصة، كانت مصر على أعتاب ريادة الصناعة فى مجال التبريد والتكييف، فكان لدى «عبدالناصر» مشروع كبير تمثل فى شركة «كولدير» وهى شركة حكومية لإنشاء التكييفات والمبردات الكبيرة التى تحتاجها بعض الصناعات الأخرى أو الاستخدامات المنزلية والمدنية كتبريد القاعات والمنازل، وكانت أولى القاعات التى تم تبريدها بتكييف «كولدير» الوطنى هى سينما رمسيس واستوديو مصر فى الخمسينات.
«مختار»: 80٪ من المواد الخام محلية ولدينا فرصة كبيرة للنهوض بالصناعة المصرية إذا ما وجهت الدولة اهتمامها الكافى
لافتة كبيرة ترحب بالزائرين فى الجهة اليمنى من مدخل المصنع الذى تبدأ أقسامه فى هذه الزاوية بتقطيع الصاج المنقول على شاحنات عملاقة، يأتى فى بعض الأحيان فى هيئة «بكرات» كبيرة ملفوفة ويتم فردها وتقطيعها داخل المصنع وأحياناً يأتى مستوياً وكلاهما لا يؤثر فى الإنتاج، الماكينات التى تنتشر فى أقسام المصنع جميعها ماكينات كبيرة يتم استيرادها من الخارج من اليابان أو ألمانيا، فلا يوجد أى ماكينة فيها صناعة مصرية ليبرر «مختار» بقوله: «الماكينات دى عملاقة وكل الشركات اللى بتشتغل فى مصر بتستوردها من الخارج، مصر لسه بدرى عليها علشان تنتج الماكينات الكبيرة دى، احنا بنعافر فى تصنيع وتوفير المواد الخام المصرية للتكييفات»، ويشرح أن المصنع يبدأ أقسامه بالخامات المصرية وهى الصاج، حيث يتم ضبط الماكينات على شكل هندسى محدد سابقاً تتم ترجمته إلى بيانات سجلها المهندسون المتخصصون على الماكينة لتقوم بدورها بالتقطيع بمجرد إدخال ألواح الصاج الكبيرة فى الماكينات، مشيراً إلى أن المرحلة التالية تأتى بثنى أطراف الصاج المقطوع عبر ماكينات تقل حجماً عن ماكينة التقطيع الأولى، وفى هذه المرحلة تسجل أيضاً قياسات الثنى على الماكينة ويقوم العامل بحمل قطع الصاج وإدخالها فى الماكينة التى تقوم بإنزال سكينة الثنى لتشكيل قطعة تلو الأخرى لتنقل على بعد 5 أمتار فقط للمكابس الكبيرة التى تشكل القطع الكبيرة التى يصعب على ماكينات التقطيع أو «التنايات» القيام بهذه المهمة، حيث يتم إدخال قطع صاج كبيرة فى ماكينة لتنزل عليها إحدى أذرع الماكينة التى تشكل قطعة الصاج وفق البيانات المدخلة إلى الماكينة عبر الحاسب الآلى.
جولة داخل مصنع «باور» ثانى أقدم الشركات المصرية.. ومديره: أمام مصر فرصة لريادة الصناعة والتصدير للخارج
يشير «مختار» بيده إلى إحدى الماكينات الكبيرة ويقول: «هنا زى بقية المصانع الكبيرة اللى بتنتج التكييفات المكن كله كمبيوتر علشان ما يبقاش فيه وحدة مختلفة عن التانية كله مظبوط بالمللى والمهندسين هنا بيتأكدوا من القياس قبل اعتماد العمل والإنتاج»، متابعاً: دورة إنتاج التكييفات تتم بتنظيم وغسل قطع الصاج بعد تشكيلها ثم إدخالها فى فرن تصل درجة الحرارة فيه إلى 120 درجة مئوية فى قسم «الدهان» بهدف إزالة الشحوم وتبخير بخار المياه من على قطع الصاج المشكلة، التى أخذت دورتها فى التقطيع والثنى والتشكيل. يقع هذا القسم الحار فى آخر بقعة من المصنع، فبمجرد دخولك إلى قسم الدهان تشعر بارتفاع درجة الحرارة التى تتسرب من الأفران لتستقبلك بمجرد دخولك هذا القسم البالغة مساحته نحو ألف متر، تتوسطه ساحة كبيرة تأخذ شكلاً مستطيلاً يعلق عليها قطع الصاج المشكلة، التى حضرت إلى القسم لتأخذ دورها فى التنظيف والدهان، مضيفاً أن القطع المشكلة يتم دهانها بطلاء متطور وهى بودرة إلكتروستاتيك، وهى بودرة طلاء يتم رشها على القطع المعدنية ويتم إدخالها إلى فرن تصل درجة الحرارة بداخله إلى 250 درجة مئوية لصهر البودرة وتتحول إلى مواد طلاء سائلة تلتصق بالمعدن ويصعب بعد خروجه خدشه أو تشويهه.
إلى هذه المرحلة كل شىء تمت إضافته مصرى الصنع بنسبة 100% إلى أن نصل إلى قسم «الكويلات» وفيه يتم تجهيز الجزء الداخلى للتكييف وهى «السربنتينة»، تحتاج مصر إلى تكنولوجيا متطورة لصنع المواد التى يحتاجها المصنع لإنتاج هذه القطعة من التكييف، هى عبارة عن مواسير نحاسية «مششخنة» وشرائح ألومنيوم يتم إدخالها إلى ماكينات عملاقة تقوم بدورها بخلطها ببعضها البعض لتشكيل هذه الوحدة.
بسؤالنا عن مصدر مواسير النحاس النقية وشرائح الألومنيوم الكبيرة، أجاب «مختار» أنها مستوردة من الخارج نتيجة التكنولوجيا التى تحتاجها فى تشكيلها من الداخل، وهى تكنولوجيا لم تصل مصر لإنتاجها مشيراً إلى أنه لو توافر لدى مصر إنتاج هذه التكنولوجيا وصناعة هذا النوع من المواسير سيوفر لمصر مليارات الدولارات من استيراد هذه المواد من الخارج، خاصة أنه يتوافر معدن النحاس فى مصر، مؤكداً أن لدى مصر فرصة فى استثمار ما لديها من مواد خام لإنشاء صناعات وطنية خالصة، واستكمل معنا الجولة التى بقى فيها المرور على قسم التركيب، وهو القسم الذى يجرى فيه تركيب «السربنتينة» مع «الكمبروسر»، وتوصيلها بمواسير نحاسية مصرية الصنع، وشحنها بالهواء المضغوط ثم غطس كل الوحدات فى أحواض المياه للفحص والتأكد من عدم تنفيس لحامات المواسير ووصلاتها، ثم وضعها على الـ«كونفير» وهى مسطرة كبيرة متحركة تنقل خلالها الوحدات إلى مناطق تركيب الوحدات فى قسم التجميع، التى يتم فيه تركيب بطاريات الكهرباء والمراوح الخارجية، ثم الانتقال إلى قسم التغليف الذى يعد المحطة النهائية بعدما تؤخذ كل يوم وحدتان بطريقة عشوائية لإجراء اختبار التكييف وتشغيله يوماً كاملاً للتأكد من جودته.
«كولدير» أولى قلاع الصناعة الوطنية التى أسسها «عبدالناصر» وانتهت أسطورتها فى «الثمانينات» وتبعتها عدة شركات
هذا المصنع الذى يعد ثانى أقدم مصنع مصرى فى هذا المجال تدق ساعة العمل فيه عند الثامنة صباحاً حتى الرابعة عصراً فيما يأخذ العمال قسطهم من الراحة بمدة 45 دقيقة، ينتج وحدات تبدأ من قوة حصان واحد حتى 150 حصاناً، يعمل داخل هذه الشركة نحو ألف موظف، وهى الشركة التى كانت تنتج كميات هائلة من التكييفات وتصدر إلى دول عربية عدة منها العراق وليبيا وتونس والجزائر والمغرب، إلا أن ثورات الربيع العربى قضت على خطة الشركة فى النمو والازدهار، بالإضافة إلى ظهور شركات جديدة كبيرة، ومنها شركة أجنبية تستحوذ على نسبة كبيرة من السوق، لكن يبرر «مختار» استمرار العمل وتطلعات الشركة للوجود بقوة فى السوق هو توسعها واستيعابها لتعدد الشركات، مشيراً إلى أن الصناعة فى مصر بها فرص كبيرة إذا ما وجهت الدولة الاهتمام بها، مشيراً إلى أنها تنتج المبردات الكبيرة وثلاجات حفظ اللحوم والخضراوات كل بحسب الطلبيات وهو نفس النهج التى سلكته بعد شركة «كولدير» الوطنية.
ويتابع: «الصناعة المصرية مستقبلها حلو لكن على الدولة إنها تشجع ده بالتسهيلات والتشريعات البنكية لأن البنوك أياديها مرتعشة، هنا فى المصنع بقينا نعمل الحاجة بالطلبية، والأول كان المصنع خلية نحل لكن دلوقتى ما بقاش زى الأول، ورغم كده احنا مصنعنا 80٪ من المواد الخام مصرية»، موضحاً أن موسم الصيف يكون فيه أضعاف الطلب على التكييفات مقارنة بموسم الشتاء، حيث تصل مدة العمل فى بعض أيام الصيف إلى ورديتين بدلاً من وردية واحدة، متمنياً أن يأتى اليوم ويجد فيه كل الخامات مصرية خالصة بنسبة 100%، مؤكداً أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حاول صنع المواسير النحاسية وحاول صنع «الكمبروسر» الذى يتم استيراده وخصص من ميزانية الشركة الحكومية «كولدير» مبلغاً كبيراً لإجراء التجارب والبحوث لإنتاجه، إلا أن المشروع فشل وكان يحتاج إلى مواصلة الأبحاث لكن المصنع انهار بعد أن كان كبيراً وتخرج منه أكبر صناع التكييفات فى مصر، مشيراً إلى أن مشروع «عبدالناصر» انتهى لمصالح شخصية فى نشوء شركات جديدة وإدخال مواد وخامات أجنبية فى مصر وخوفاً من تطور الشركة وتمكنها من إنتاج صناعات متطورة تسيطر على المجال وتقطع الطريق على الصناعات الأجنبية ومنتجاتها التى ترسلها إلى مصر والشرق الأوسط.