ضقت ذرعا بعلاقة التبعية والسيطرة التي أراها تتملكنا في كثير من الأحيان وأراها طاغية في معظم علاقاتنا ببعضنا البعض، وكأن كل منّا نصّب نفسه ملكا أو واصيا على غيره.. كم أبغض رغبة التملك وشغف السيطرة والتحكم في العقول والتدخل في حيوات الآخرين والرغبة في تخطيطها كما لو كانت حياتنا! كم أشعر بالإستياء حينما أرى رجلا يحاول فرض تفكيره ونمط حياته قسرا على زوجته أو صديقا له أو أخا أو أبا أو أيا كان اعتقادا منه بأن هذا التفكير أو الطريق هو الأصوب دائما!.
تلك العلاقة غير المتكافئة باتت تسعى إلى فرض نفسها بين الأوساط المجتمعية المختلفة حتى على المستوى العاطفي؛ مما تخلق خللا جسيما في التواصل الإنساني؛ لأنها تتيح فرصة الهيمنة والتحكم كاملة لطرف وتنتقص من شأن الطرف الآخر وتجعله أشبه بعبد خاضع خانع لمولاه لا يقدر على شيء.
على المستوى العاطفي:
كثيرا ما أتعجب من السيطرة التي تهيمن على العلاقة العاطفية بين الشاب والفتاة.. وما يثير حفيظتي ولا أجد له مبررا هو تسلُّط بعض الشباب وتحكمهم في حياة الفتيات اللاتي يرتبطن بهن والأمثلة على ذلك لا حصر لها .
وما يثير العجب هو رضاء بعض الفتيات بهذه السيطرة الكاملة والاستسلام لها وكأن الحياة بأسرها في يد هذا الشاب أو ذاك، وما يزيد حنقي هو مفهوم الحب الخاطئ لديهم فإذا كان الحب من وجهة نظرهم هو استسلام للطرف الآخر أو قيادة الشاب للفتاة من منطلق "أنا الراجل وكلمتي تمشي عليكي" فإنني أظن أن معاملته لتلك الفتاة سوف تكون كمعاملة الملك لجواريه، وفي القريب العاجل سوف يمل من تلك الفتاة؛ لأنه يراها خاضعة لاحول لها ولا قوة وهي أشبه بدمية يحركها كيفما يشاء وقتما يشاء في طريق يرسمه لها مثله كمثل طفل يمل سريعا من اللعب بالدمية فيترك تلك الدمية للبحث عن دمية أخرى.
مع أن الفطرة السليمة تدعو للمشاركة والتكافؤ بين جميع البشر دون استثناء وليس تلك العلاقة المريبة التي تقوم على حجب العقل وإعطاء الفرصة لشخص كي يتحكم بعقولنا ويجعلنا نسير بعقله ويحذف شخصيتنا حذفا أبديا.
على المستوى الأسري:
حينما ينشأ الأبناء على هيمنة الأب المفرطة وعجز الأم عن ممارسة دورها نظرا لسطوة الأب؛ ولأن الأم هي الأخري تصور الأب على أنه أداة القمع والتخويف بالنسبة للأطفال، كل هذا يجعل الطفل - الذي سيصبح رجلا فيما بعد - لديه حافزا لممارسة تلك العلاقة غير المستقيمة فيرى في زوجته المستقبلية مجرد أمة له ويري في مرؤوسيه مجرد عبيد ينهرهم ويقهرهم وهكذا تنشأ حلقات متتابعة من أجيال نظرتها غير سليمة إزاء المرأة أو إزاء أي شخص أقل قوة.
على مستوى الأصدقاء:
أرى بعض الزملاء- للأسف الشديد- يتعاملون مع غيرهم بمنطلق (أنا الرئيس حينما يكونون في فريق عمل واحد أو أنا اللي رأيي هيمشي أو أنا اللي عندي رؤية ثاقبة وتفكير منظم عشان كده كل أفكاري وآرائي لازم تفرض علي الجميع بتسلط وإجبار ويتعاملون بنظرية القطيع والراعي) وكل هذه الأمور ما هي إلا هراء وشحنات مكبوتة يحاولون تفريغها في من أقل منهم قوة أو مكانة.
كم أنظر للشخص المتسلط أو المسيطر باعتباره شخصية هشة ضعيفة جوفاء في داخلها تحاول اتخاذ موقفا عدائيا متمثلا في السيطرة والتحكم في الآخرين إما كنوع من الدفاع عن ذاتها المريضة أو لتعوض الفاقد لديها في التحكم في شخصيتها المضطربة التي لا تستطيع السيطرة عليها.
على مستوى علاقتنا بذاتنا:
الطريف والغريب أن علاقتنا بذاتنا أكبر مثال علي علاقة السيد والمسود فهناك من تتحكم بهم ذواتهم فتعمي أبصارهم وبصيرتهم عن رؤية أبسط الحقائق التي تبعد عنهم بسنتيمترات؛ فيندفعون اندفاعا جارفا وراء نزواتهم وشهواتهم دون أن يفكروا في العواقب.
وهناك من يتحكمون بذواتهم فيكبحونها كبحا شديدا للدرجة التي تجعلهم غير متوازنين نفسيا فيبدون ظاهريا بأنهم مثال للشرف أو الفضيلة أو الأخلاق وهم على العكس من ذلك.. يحاولون كبح جماح رغباتهم فيخلقون حاجزا وسورا منيعا يحول بينهم وبين غيرهم وصدقوني نتاج هذا الكبح الشديد وعدم التوازن هو الانهيار الوشيك والمدمر لهم ولغيرهم ممن يقعون للأسف في طريقهم.
ومن بين قناعاتي الذاتية هو أن تسير علاقتنا بأنفسنا وفقا لمتغيرات الحياة فتتسم بالمرونة الكافية التي تجعلها تتكيف مع كل الشخصيات والمواقف والأحداث، فعلاقة السيد والمسود لن تجدي نفعا مع أنفسنا المتمردة في معظم الأحيان والعنيدة في كل الأحيان؛ لذا خير وسيلة للتعامل مع أنفسنا هي علاقة القوة الناعمة التي ترخي الحبل حينا وتشده حينا آخر.. علاقة تقوم على أساس التراضي والتفاوض بين ذاتنا وبين أفعالنا الظاهرية حتى تستمر تلك العلاقة بدلا من أن تنحرف فتبدو ظواهرنا على العكس تماما من بواطننا فتظهر التناقضات والأضداد والاضطرابات النفسية المحتومة.
وختاما أتمنى أن تنتهي علاقة السيد والمسود في حياتنا؛ لأن الله قد أكد في كتبه السماوية جمعاء على مبدأ الحرية والاختيار.
إننا لا نحتاج أناسا نقودهم أو نكون أوصياء عليهم أو ينصّبوا أنفسهم آلهة علينا بقدر ما نحتاج أناسا يسيرون بجوارنا لدعمنا ولتسهيل الصعاب علينا ولشد أزرنا لاستكمال مشوارنا الشاق الصعب الطويل مع تلك الرحلة القصيرة في الحياة.