احبس أنفاسك..أغمض عينيك..تقترب من محافظة «مكامر الفحم»
يجبرك دخان خانق، على حبس أنفاسك، كلما مررت على طريق بلبيس عند مدخل محافظة الشرقية، يزداد قتامة كلما اقتربت من المنطقة الأكثر سواداً عما حولها، كل شىء يتلحفه السواد، حتى الأطفال تكاد تختفى ملامحهم، بعد أن اكتست برذاذ الدخان الأسود.
يتراص الأطفال بعشوائية مفرطة، أمام إحدى «مكامر»، تصنيع الفحم النباتى، وبجهد أكبر من حجمهم يحاولون فصل قطع الفحم المتماسكة عن الرماد الأشبه بحبات الرمال، ويتولون تعبئتها فى «شكائر» بلاستيكية، وعلى بعد أمتار منها تجد «مكمرة» ثانية لم تنضج بعد، ما زال الدخان الأبيض الكثيف يتصاعد منها، ثم ثالثة يحاول آخرون تجهيزها برص قطع الأخشاب وتغليفها بقش الأرز والطمى استعدادنا لإشعالها، وتحاصر الـ«مكامر» رصات قطع الأخشاب الجاهزة للحرق، تكاد تفصل الثلاث عن بعضها، لولا الدخان الأسود الذى يجمعها كلها فى صورة واحدة.[Quote_1]
تنتشر فى الشرقية، 120 مكمرة للفحم النباتى، أغلبها على يسار طريق بلبيس الزراعى، بداية من قرية الزوامل، حتى قرية «السلام» التابعة لـ«بلبيس»، كما تنتشر مكامر الفحم على طريق «الزقازيق - مينا القمح» من ناحية البحر أمام قرية «تل حويل وبنتفت».
يستخدم العاملون طريقة بدائية لإنتاج الفحم، قال صلاح الشيمى لـ«الوطن»: «تلك الطريقة كان يستخدمها المصريون القدماء، لكنها مهنتنا التى ورثناها عن آبائنا، وتُعد مصدر رزقنا الوحيد»، موضحاً أن مكمرة الفحم، تظل مشتعلة من 10 إلى 15 يوماً بدرجة حرارة تصل إلى 300 درجة مئوية، حتى يتحول الخشب إلى فحم، ثم تُطفأ المكمرة بالماء، لتبدأ عملية إنتاج الفحم.
تخرج الانبعاثات والأدخنة بكثافة، عندما تُطفأ المكمرة وتهدأ نيرانها، لتتسلل إلى صدور من حولها بسمومها الكربونية، لدرجة جعلتها سبباً فى إصابة المئات، وربما الآلاف من أبناء القرى المجاورة بالأمراض الصدرية المزمنة والخطيرة، وفقاً لـ«باسم رمضان»، من قرية «إنشاص الرمل»، قائلاً إن حالة احتقان تصيب أهالى المنطقة، عند اشتعال أكثر من مكمرة فى وقت واحد، مضيفاً: «والدتى أصيبت بمرض حساسية الصدر، وحذرها الأطباء من التعرض لأى غبار أو أدخنة، خصوصاً المتصاعدة من المكامر، وغالبية سكان المنطقة يعانون منها».
وأوضح هشام الشاذلى، أحد أبناء «إنشاص الرمل»، أن الأمراض الناتجة عن المكامر لا تقتصر على الصدرية فقط، فهناك أمراض العيون، وابنتى «ياسمين» التى لم تتجاوز الـ10 سنوات، تدمع عيناها باستمرار بسبب الدخان المتصاعد عند تصنيع الفحم.
وقال فتحى السيد، صاحب مكمرة على ترعة الإسماعيلية، إنه «لا يوجد أى تعاون أو استجابة من مسئولى المحافظة، لتقنين أوضاعنا، أو حتى لوضع حلول تسهم فى الحد من أضرار تصنيع الفحم، سواء بتوفير أماكن بديلة أو أفران حديثة».
فى المقابل، شدد حسام حجازى، رئيس جهاز شئون البيئة السابق، لـ«الوطن»، على ضرورة وجود توافق بين متطلبات العاملين فى هذا المجال، وبين الضوابط البيئية، يبدأ بإقناع أصحاب المكامر بأنهم يُلوثون البيئة، وأن يكون التواصل معهم لا يُغفل تحقيق مصالحهم الشخصية، حتى يستجيبوا، وتتحقق نتائج فعلية على أرض الواقع.[Quote_2]
وأضاف: «سبق أن أجرت الدولة حواراً مع أصحاب المكامر، ولم يتبق غير أن تساعدهم فى التحول وإنشاء أفران بتكنولوجيا علمية حديثة، لتطوير عملية إنتاج الفحم، مع خفض نسبة الدخان من 90 مليجراماً فى المتر المكعب، إلى 9 فقط، خصوصاً أن النسب المسموح بها، 50 مليجراماً فى المتر المكعب.
أخبار متعلقة:
«الشرقية».. أرض الخيل والكرم
هنا قرية «الوسية».. عبيد أراضى الباشوات
«صان الحجر».. آثار ملقاة على الرمال تنتظر من ينتشل "التاريخ"
«تل بسطة»...هنا كان يعيش إله المرح والسعادة والراحة
«بهاء» يدلل أحصنته بـ«الحضن والطبطبة».. والفول ممنوع «عشان التناحة»
«بحر البقر» ..رحلت طائرات العدو..وبقيت "ألغام" الإهمال
«القرين».. بلد الفول السودانى «أباً عن جد»
«أكياد»: تتحدث عن نفسها بفخر:"إحنا اللى عزمنا القطر على الفطار"
حفيد «عرابى» يرتدى بذلة الزعيم..ولكن من أجل "إحياء الأفراح"