«صان الحجر».. آثار ملقاة على الرمال تنتظر من ينتشل "التاريخ"
قد لا يجول بخاطرك وأنت على امتداد ترعة زراعية بطول المكان، تشم رائحة الخضرة فى مناطق، وتغيب عن أخرى بفعل أكوام الزبالة المحترقة، ومداخل لقرى صغيرة ومراكز كبيرة، تصحبك آخرها إلى ساحة كبيرة من معالم البلدة وتاريخها، أشجار ونباتات على امتداد جانبى الطريق المؤدى إلى «صان الحجر» أشهر مراكز محافظة الشرقية، لمكانتها فى الأسرة الـ22 قبل الميلاد، وقت أن كانت عاصمة مصر، عاش فيها من عاش من الفراعنة تاركاً وراءه عالماً خصباً وشواهد حياة فى تلك المدينة بل وصنعوا منها «أقصر» للوجه البحرى، كما يلقبها الأثريون، لتكتسب صان الحجر مكانة خاصة بين باقى المناطق الأثرية فى الجمهورية.
تشابه قد يصل إلى حد التطابق بين تلك المعالم التى تركها الفراعنة بمحافظة الأقصر فى جنوب مصر، وبين مثيلاتها فى الوجه البحرى من محافظة الشرقية، تتوه قدماك نحو تحديد هوية المنطقة الأثرية بالمنطقة، فلا توجد لافتة تقودك إلى ذلك المكان رغم أهميته التاريخية، ينتهى بك الحال إلى توخى الحذر بالقرب من صان الحجر وسؤال أهل البلدة لمعرفة الطريق الخاص بها قبل أن تتوه خطواتك نحوها.
طريق خاص يقودك نحو المنطقة الأثرية، بدايته مبنى متحفى ضخم حديث الإنشاء لا يزال موصد الأبواب فى انتظار نقل الآثار به وافتتاحه لحماية ما تبقى من آثار المنطقة، بعدما تهالك ما تهالك وتحطم ما تحطم منذ سنوات طويلة، غابت مبررات الوضع الحالى وأسبابه بين القائمين عليها، لتظل آثار «صان الحجر» ملقاة على الرمال فى انتظار من ينتشلها ليصنع منها تاريخاً حضارياً يليق بها.
ما يقرب من 500 فدان كاملة هى امتداد المنطقة الأثرية، وعديد من الاكتشافات تضعها دائماً فى الصدارة بين اهتمام المنقبين الأجانب، فلا تزال هناك بعثة خاصة فرنسية تستكمل دائرة الاكتشافات الخاصة بالأسرة الـ22 قبل الميلاد، تشتهر بكثرة وجود المسلات لتتصدر كل المناطق الأثرية فى عدد المسلات ذات الأحجام والأشكال المختلفة بين باقى الأماكن، وبها نحو 5 معابد لملوك الفراعنة وبحيرتان مقدستان، وعدة مقابر للملوك، يتوسط تلك المساحات تمثال ضخم يبلغ طوله نحو 10 أمتار من الحجر الرملى للملك رمسيس الثانى، لكنه لأسباب غير معلومة لدى الأثريين بالمنطقة انقسم إلى نصفين، نصفه العلوى ملقى على الأرض منذ سنوات طويلة دفعت بالحشائش أن تنمو بين الشقوق التى برزت منه نتيجة للصدمة التى قسمته إلى جزئين منذ زمن، والجزء الآخر للنصف الأسفل منه ويقف بجانبه بارزاً منه أقدام الملك وبعض من النصوص الفرعونية التى تعرف صاحب التمثال.
آثار «صان الحجر» ليست كغيرها من الآثار، فمفتشو الآثار بالمنطقة يجدون فيها ما يجعلها من المناطق الهامة أثرياً، ولكنها ليست فى قائمة المناطق السياحية، ربما لنقص الخدمات التى بالمنطقة، فدورات المياه الخاصة بالمكان غير مؤهلة، تدلك بقايا حياة الفراعنة هنا على وقت كانت الشرقية مقصداً لكل الملوك وظلت عاصمة الأسرة الـ22 الفرعونية، الممرات التى تسمح لك بالدخول إلى المناطق الأثرية تفتقد طريقاً ممهداً بصورة تجعلك فريسة للمطبات والتعرجات والانحدارات التى تميز المنطقة الرملية عن غيرها من المناطق، يجد مفتشو الآثار بالمنطقة أزمة كبيرة فى طبيعتها البدائية أثناء وجود وفود أجنبية بالمكان، فلا توجد استراحات خاصة بالزائرين تمنحهم قسطاً من الراحة فى ظل رحلة طويلة يقطعها السائح للتعرف على تلك المنطقة تستغرق 3 ساعات كاملة من مدينة الزقازيق عاصمة المحافظة، متولى صالح كبير المفتشين بالمنطقة يؤكد أن الخدمات بحاجة لتطوير، لخدمة زوار المنطقة، وبحاجة إلى اهتمام أكبر لتجد صان الحجر مكانها على خارطة المناطق الأثرية، خاصة فى ظل الفترة التاريخية التى جسدتها المنطقة طيلة فترة حكم الأسرة الـ22.
المناطق الأثرية ليست محل اهتمام كبير من المسئولين، لكنها تحظى بدرجة اهتمام كبيرة من المواطنين، فهناك من ينقب عن الآثار بشكل سرى فى جوف تربة يشتبه فى احتوائها على آثار تعود للعصور الفرعونية، يبحثون فى صمت، لكن الجيران يدركون تلك الحقيقة المرة من خلال دقات متتالية فى باطن الأرض تدفعهم لمعرفة أن هناك من ينقب عن الآثار، تشتهر قرية قنتير بتلك الروايات المتكررة بين الأهالى، هناك من يقوم باستئجار مساحات خصيصاً من أجل عملية التنقيب، وهناك من ينتقل إليه هوس البحث عن الآثار فيسعى لحفر منزل صغير يمتلكه فى تلك القرية، هوس المواطنين نحو التنقيب عن الآثار لا ينتهى فهناك يقول عبدالله أحمد، أحد سكان قرية قنتير: «الغالبية من المواطنين لجأوا للتنقيب عن الآثار بعدما جاءت بعثة أجنبية واستأجرت قطعاً من الأراضى للتنقيب، وبالفعل وجدت آثاراً من العصور الوسطى ولا تزال تعمل البعثة بصورة متقطعة، ولكن الهوس انتشر بين الجميع بحثاً عن ثراء سريع»، تفكير الأهالى فى الآثار صار حلماً يطاردهم بين الحين والآخر، يدفع بعضهم للتنقيب عن الآثار حتى لو كان ذلك ضد مصلحته الخاصة، وجاء ذلك على جدران بيته وأساسه، فى النهاية الحلم يلزمه كثير من التضحيات من أجل تحقيقه، هكذا يعيش المنقبون فى قرية قنتير على أمل أن يجدوا كنزاً يغير لهم حياتهم.
أخبار متعلقة:
«الشرقية».. أرض الخيل والكرم
هنا قرية «الوسية».. عبيد أراضى الباشوات
احبس أنفاسك..أغمض عينيك..تقترب من محافظة «مكامر الفحم»
«تل بسطة»...هنا كان يعيش إله المرح والسعادة والراحة
«بهاء» يدلل أحصنته بـ«الحضن والطبطبة».. والفول ممنوع «عشان التناحة»
«بحر البقر» ..رحلت طائرات العدو..وبقيت "ألغام" الإهمال
«القرين».. بلد الفول السودانى «أباً عن جد»
«أكياد»: تتحدث عن نفسها بفخر:"إحنا اللى عزمنا القطر على الفطار"
حفيد «عرابى» يرتدى بذلة الزعيم..ولكن من أجل "إحياء الأفراح"