رفعت السعيد يكشف في مذكراته: قلت لـ«العصار»: «استعد لدخول قفص الاتهام أمام قضاة من الإخوان.. فصاح: «أنا ماباخافش»
صورة أرشيفية
واصل الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع السابق، الكشف عن كواليس إسقاط «مبارك ومرسى» في مذكراته التى نشرتها "الوطن" على 3 حلقات، ويروي السعيد، فى الحلقة الأخيرة تفاصيل الفترة التى تولي فيها المجلس العسكري مقاليد الحكم فى مصر إبان ثورة 25 يناير، ويقول:"كانت الحوارات حول كيفية تشكيل الجمعية التأسيسية ونسبة كل طرف فيها، والإخوان يريدون وبتشدد شديد الاستحواذ على أغلبيتها ليضعوا دستوراً يعبر عنهم ويحكمونا به، وفيما كانت الحوارات تجرى بأمل أن يزيح أى طرف طرفاً آخر لينال مقعداً أو أكثر، وحيث تجلى الحلف المتأسلم واضحاً وجلياً «الإخوان - النور - السلفيون» مع استعدادات واضحة من أفراد أو قوى صغيرة يتمنون بها أن يرتدوا ثياب التأسلم لينالوا بها مساحة من رضاء الإخوان، لكن الإخوان كانوا فى ذلك الوقت بين أمرين، أحدهما الإيحاء بأنهم يريدون أن تتسع اللجنة التأسيسية لأكثر من تيار، والثانى هو الإصرار على التحكم فى عملية إعداد الدستور، وبين الأمرين كانت الصراعات المعلنة والاتصالات الخفية مع قوى كنا نعتبرها محسوبة معنا فى صف التيار الليبرالى، فإذا بها تتهامس سراً وأحياناً فى مباهاة مع الإخوان.. سواء فى لقاءات جماعية مفتوحة مثل لقاء فيرمونت أو مؤتمرات صحفية صاخبة أمام مقر مكتب إرشاد الجماعة بحضور المرشد ومرسى وقيادات إخوانية وبعض المتقربين والمتملقين والمتعجلين من سياسيين محدثين لا يتقنون حتى أسلوب التملق أو التآمر مع العدو المفترض.. كل ذلك ألقى بظلال كئيبة على المناقشات بقدر ما هى مجدية وتبدت أيضاً وكأنها بلا نهاية".
حتى كان يوم يبدو فيه أن الكيل قد فاض بالمشير والمجلس العسكرى فدخل الاجتماع وعلى وجهه غضب لا يخفيه ولعله أراد ألا يخفيه.. وقال هذا آخر اجتماع ولن يغادر أحد هذه القاعة إلا بعد أن نصل إلى اتفاق.. ولست أدرى لماذا وجدت نفسى وقد فاض بى الكيل أنا أيضاً، وقلت سيادة المشير هذا أمر ضبط وإحضار؟ فقال بلا ابتسامة «ليكن كذلك».
وهنا وجدت نفسى دون قرار مسبق أقول بصوت فيه رتوش من غضب: «سيادة المشير هل هو فعلاً أمر ضبط وإحضار؟» فقال: «افهموه زى ما انتو عايزين»، فقلت إذن أنا عندى كلمة لو سمحت فقال «اتفضل» وبدأت بسؤال تبدى غريباً طبعاً يا سيادة المشير وسيادة الفريق والسادة اللواءات أنتم جميعاً درستم تاريخ المعارك العسكرية الشهيرة؟ وفيما تهتز رؤوس بالموافقة قلت فهل يتذكر أحد أسماء القادة الذين هُزموا مع نابليون فى «ووترلو؟»، وأجبت على نفسى طبعاً لا.. وقلت: «هل يتذكر أحد أسماء القادة الذين اصطفوا مع أحمد عرابى أمام قصر عابدين ليواجهوا الخديو توفيق.. وساد صمت فأجبت على نفسى، أنا أعرف بعضهم بحكم دراستى للتاريخ وإعدادى لكتابى عن الثورة العرابية، لكننى أتخيل أن لا أحد من الحاضرين يتذكر سوى القائد.. مصطفى كامل - محمد فريد - سعد زغلول - عبدالناصر ثم وبدون سابق ترتيب وجدت صوتى يعلو وقبضتى تدق على المائدة بعنف ومعها هكذا يا سيادة المشير فإن التاريخ إذ يفتح صفحة هذه الأيام لن يتذكر ولن يذكر إلا اسمك أنت.. إن خيراً فخير وإن شراً فشر» وخيم صمت متوتر على رؤوس الجميع، خاصة أعضاء المجلس العسكرى الحاضرين.
صمت المشير قليلاً ثم وجه كلامه إلى سقف الغرفة، وقال «حتى عندما كنا ملازمين أوائل كنا ننسى الإساءة التى توجه لنا»، أما أنا فكنت لم أزل متوتراً على غير العادة فقد أحسست أن الأمور تتجه وبسرعة نحو تسليم الإخوان مفاتيح اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، «فللمرة الأولى كانت هناك همسات تسبق الجلسة بين الفريق وأيمن نور الذى قضى طوال الجلسات السابقة صامتاً فى ابتسامة تحاول أن تقول إنها واثقة، وكان مصطفى بكرى منزوياً يكتب شيئاً وكان يمثل الإخوان ثلاثة وليس اثنين، القادة الكبار اختفوا وحضر من الصف الثانى إبراهيم حسين، عصام العريان، أسامة ياسين)، وقلت: أنا لم أكمل سيادة المشير.. فقال بامتعاض: اتفضل كمل، وقلت لعلك والسادة اللواءات الجالسين هنا تعرفون إلى أين تقودون الأمور، ولكن لنفترض أن لواء آخر غيركم وفى طريقه إلى البيت يقرأ فى كل خطوة تسرع بها السيارة يسقط حكم العسكر وشتائم ضدك يا سيادة المشير وبحثت عن مرسى لأزغده فلم أجده فزغدت إبراهيم حسين، قائلاً: وأنت تعرف من يكتب ومن يدفع لمن يكتب؟ ومن يستفيد مما يكتب؟ ويعود اللواء إلى بيته لتسأله ابنته مين اللى بيكتب ضدكم؟ وساكتين عليهم ليه؟ انتوا خايفين منهم ولا إيه؟ فبماذا يجيبها؟.. وأنهيت كلمتى بهذا السؤال.. وهنا صاح أسامة يس دون أن يطلب الكلمة: يا سيادة المشير الدكتور رفعت بيسخنك ضدنا.. ولحقه مخيون فعلاً يا سيادة المشير بيسخنك ضدنا.. ورد المشير غاضباً: «أنا محدش يقدر يسخنى ولو كنت أتسخن كنتم شفتم وش تانى»، وسرى تيار الكهرباء فى الجلسة «الإخوان يطلبون 51٪ من أعضاء الجمعية التأسيسية، وقلت فى هذه الحالة يكون التصويت بنسبة الثلثين، وصاح عصام العريان: «البعض هنا يحاول تخويف الناس منا ويتصور أن كل من يقف معنا إخوان»، فقلت مقاطعاً: «أنا لا أنكر ذلك، وإذا صممتم على رأيكم فأنا من الآن أعلن انسحابى من اللجنة التأسيسية وسأغسل أيدى حزب التجمع من هذا الموضوع كله»، فرد مصطفى بكرى مقاطعاً: «انسحاب د. رفعت يقلب موازين كثيرة، ولا بد من التفاهم»، فرد إبراهيم حسين: «البعض يحاول أن يفرض إرادة الأقلية على المجموع»، فقلت بصوت أعلى من صوته: عندما يكون الوطن مهدداً فلا مجال لخضوع الأقلية لمن سيدمرون المستقبل.
هاج الاجتماع وفُقدت الضوابط الصارمة وصار الجميع يتكلمون فى نفس واحد، فدق المشير بقبضة صارمة: «ترفع الجلسة لنصف ساعة»، والمصيبة أننى عندما خرجت لم أجد من يمكن أن أتشاور معه، كثيرون يرفضون الاقتراح الإخوانى ولكن لا ينطقون، ففى عملية توزيع الجمعية التأسيسية يحتاجون ما يضمن لهم وجوداً فى البرلمان عبر تحالف ولو غير معلن، وفيما أشرب الكابتشينو اقترب منى واحد من المجلس العسكرى كان الأقرب إلى قلبى، ربما لأنه الأكثر وعياً ومعرفة وأيضاً تودداً، هو اللواء العصار، وقال لا تخف ولا تتوتر الشعب المصرى البسيط رغم أميته وبساطته سيتمسك بالدولة المدنية وهو لن يقبل بحكم الإخوان ومن تسميه أنت التأسلم، «كنت لم أزل أغلى وقلت بغلظة غير مفترضة إذن استعد إنك تدخل قفص الاتهام أمام قضاة جماعة الإخوان، بهت الرجل من الجرأة والتجاوز وتركنى صائحاً: «أنا مابخافش»، وكان الفريق يتابع حوارنا من بعيد فسألنى حصل إيه؟ فأعدت له ما قلته فصاح فى وجهى: «مش معقول تقول كلام زى ده لسيادة اللواء».. وكان اللواء السيسى يتابع الأمر مبتسماً وهو جالس على مقعده الذى لا يغادره ولا يغيره، وقرر تهدئتى بأن وعدنى أن يرسل لى دراسة عن الإخوان، قدمها اللواء صدقى صبحى خلال دراسته الأكاديمية فى أمريكا.. ولكن هذا الوعد تاه فى خضم الأحداث المتسارعة.
ويبقى لزاماً علىّ قبل أن أتواصل بمشاعر وأحاسيس وأحداث أن أعتذر للواء العصار فقد كانت توقعاته إزاء موقف الجماهير الشعبية من الإجراءات والتوجهات الإخوانية والمتأسلمة عموماً.. صائبة.
انتهت نصف الساعة، وكان أيمن نور قد أعد اقتراحاً شديد التعقيد بتشكيل اللجنة التأسيسية، وعصام العريان يقول بصوت عالٍ لكى أسمعه: «إحنا تسعين مليون ومش هينفع إن كل الناس تمثل فى اللجنة التأسيسية.. وكان مصطفى بكرى قد أعد مسودة بيان وعرضها بسرعة على الفريق.. وباختصار ودون أن أستطيع أن أمسك بخيط اتهام لأحد فإننى امتلأت بهواجس تأكدت سريعاً، ففى خلال فترة الاستراحة طبخ كل شىء وكان الاتفاق الهش يقول: أعضاء اللجنة مائة، خمسون للتيار الإسلامى وخمسون للتيار الليبرالى.. وأعلن عصام العريان موافقته ويبدو كما همس لى البعض من الصامتين الدائمين أنه خلال الاستراحة قد انتهى بالدكتور سيد البدوى ورتب معه أمراً.. ساد الارتياح بين الكثيرين، بينما غمرنى أنا إحساس بالقلق، فقد تصاعدت مشاعر تغير ملموسة ولكنها غمرتنى ربما دون سبب مؤكد بأن ثمة طبخة تم إنضاجها خلال هذه الاستراحة.