رئيس لجنة العلاقات السعودية - الأمريكية لـ«الوطن»: عصر النفط مقابل الأمن انتهى.. و«واشنطن» فى مرحلة استقطاب كبيرة
الأنصارى
أكد رئيس «لجنة الشئون العامة للعلاقات الأمريكية - السعودية» بالولايات المتحدة، سلمان الأنصارى، أن الخلاف الأخير بين السعودية ومصر فى مجلس الأمن الدولى حول سوريا هو «عتاب دبلوماسى بين الأشقاء»، وقال فى حواره لـ«الوطن»، إن «هذا الخلاف لن يحدث شرخاً حقيقياً فى العلاقات بين البلدين»، وتحدث «الأنصارى» عن علاقة بلاده بالولايات المتحدة ونظرة الأخيرة إلى قضايا الشرق الأوسط، خاصة بعد صدور تشريع «العدالة ضد رعاة الإرهاب»، (جاستا)، وقال إن «عصر النفط مقابل الأمن انتهى»، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تمر بـ«مرحلة استقطابية كبيرة»، معتبراً أن جزءاً من توتر علاقة «الرياض» بـ«واشنطن» يعود إلى مواقف بلاده الداعمة لمصر والرافضة لجماعة الإخوان. وإلى نص الحوار.
■ كيف تقرأ الخلاف الحادث مؤخراً بين السعودية ومصر بعد تصويت «القاهرة» لصالح مشروع القرار الروسى بخصوص سوريا؟
- أعتقد أنه من الواضح أن «الرياض» كانت منزعجة من تصويت «القاهرة» لصالح المقترح الروسى فى مجلس الأمن الدولى، لأن ذلك كان مستبعداً تماماً بحكم متانة العلاقات السعودية - المصرية، وعلى كل حال أعتقد أن ما حصل لن يتسبب فى شرخ حقيقى للعلاقات بين البلدين، ولكن ذلك لا يمنع أن يكون هناك عتاب دبلوماسى ما بين الأشقاء.
«الأنصارى»: خلاف التصويت بين «القاهرة» و«الرياض» عتاب دبلوماسى بين أشقاء.. و«الرياض» تتحرك باستقلالية عن «واشنطن» ودعمها لمصر لم يكن يروق لأمريكا
■ هل تعتقد أن هناك من يريد الاصطياد فى الماء العكر لإحداث توتر بين البلدين؟
- العتاب شىء ومن يريد أن يوظف هذا العتاب لأهداف حزبية شىء آخر، هنالك بلا شك من يحاول أن يصور الموقف بطريقة دراماتيكية بتعزيز فرضية أن السعودية ومصر لن يكونا على وفاق وهذا غير صحيح، فكلا البلدين يعلم أهميته للآخر.
■ إلى أين تتجه الأزمة السورية فى ظل التطورات الأخيرة؟
- الأزمة فى سوريا من حيث التطورات الأخيرة تثبت أنها دخلت نفقاً مظلماً للغاية، من خلال التقارير الأخيرة فإن نحو أكثر من 600 ألف نسمة تم قتلهم من قبل النظام السورى، وأعتقد أنه من الأهمية جداً بمكان القول إن المجتمع الدولى للأسف لم يتفاعل مع الملف السورى بالشكل المطلوب، وهذه بلا أى شك دليل على فشل الرئاسة الأمريكية فى التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، خصوصاً بعد وضع خطوط حمراء لدى الإدارة الأمريكية لم يتم التعاطى معها، حتى وصل الأمر إلى أن دولة مثل روسيا تدخل بكامل ثقلها فى سوريا، هذه إحدى أكبر الكوارث الإنسانية فى العصر الحالى، الأزمة السورية لن تحل بوجود بشار الأسد، وعلينا أن نعرف أن حسم الأمر فى سوريا إما بأن يذهب بحل سياسى أو يذهب بالقوة، السعودية وحلفاؤها يمكنهم مع الوقت أن يزيدوا الدعم للمعارضة المعتدلة لقلب الطاولة على الجماعات المتطرفة التابعة لإيران، هى أزمة إنسانية كبيرة، فى إطار التصعيد الأخير بين روسيا وأمريكا تثبت أن هناك محاولة أمريكية لفعل أى شىء إيجابى تجاه سوريا، كى لا يتم وصمها بالعار السورى فى المستقبل، وللأسف هناك أكثر من مشروع فى سوريا، مشروع روسى وإسرائيلى وغربى، وأتمنى أن تبقى سوريا دولة موحدة ينتهى منها هذا النظام المجرم.
إيران دعمت «الإخوان».. وإدارة «أوباما» كانت تعتقد أن الجماعة قادرة على تحقيق سلام بين «واشنطن» و«طهران»
■ دعنى أنتقل بك إلى أزمة تشريع (جاستا).. لماذا خرج هذا التشريع فى هذا التوقيت بالذات؟
- هذا التشريع كان هناك كلام كثير حوله منذ 2009 وكانت هناك محاولات لتفعيله أكثر من مرة حتى أتى السيناتور جون كورنين والسيناتور جاك تشومر السيناتور الديمقراطى لـ«نيويورك»، وكتبا الصيغة النهائية لهذا القانون، ثم استخدما نوعاً من الحبكة الإعلامية، ما يسمى فى الكونجرس بـ«السوط»، هذا مصطلح يستخدم فى الكونجرس ووضعوا أعضاء الكونجرس كلهم فى خانة صعبة جداً، فإما أن يكونوا فى صف ضحايا أحداث 11 سبتمبر، وإما أن يكونوا مع السعودية، فتم وضع هذه الحبكة الإعلامية بهذا الشكل، جون كورنين سيناتور تكساس لديه مشكلات شخصية سابقة مع المملكة العربية السعودية، لأنه فى السابق كان معترضاً على صفقات سعودية فى داخل «تكساس»، خصوصاً أن «الرياض» استحوذت على المصافى النفطية الموجودة فى تكساس، هذا من الجوانب الشخصية.
■ ولكن كانت هناك تصريحات عن إمكانية مراجعة ذلك التشريع؟
- من الجوانب العامة علينا ألا نغفل تماماً أن أعضاء الكونجرس حتى ما يقارب الثلث منهم تحدثوا بعد رفض فيتو الرئيس على هذا التشريع بأقل من 48 ساعة بأنهم يمكن أن يفكروا فى تعديله أو إعادة النظر فيه، وهذا يدل بشكل واضح على أن موافقتهم على هذا القانون مسبقاً كانت موافقة وقتية لأسباب ومصالح ضيقة، ومصالح انتخابية قبل أى شىء آخر، ففى نوفمبر المقبل ستكون هناك انتخابات رئاسية وانتخابات للكونجرس، وهم يحاولون قدر الإمكان ألا يخسروا الناخب الأمريكى، والحملة الإعلامية المكثفة فيما يتعلق بـ«جاستا» وضحايا 11 سبتمبر، هذا القانون الدافع الأقوى فيه والصوت الذى تم استخدامه صوت الرأى العام الأمريكى، خاصة أن دعاة ذلك القانون استخدموا نفوذهم الإعلامى للحشد خلف ذلك التشريع، الذى أتى بالتزامن مع ذكرى أحداث 11 سبتمبر، وعلى كل، فالسعودية ليس لديها أبداً ما تخشاه من ذلك التشريع وفيما يتعلق بأحداث 11 سبتمبر، ولكن أكثر ما يقلقنى هو ما يقلق المجتمع الدولى كله وهو ما يتعلق بمسألة رفع الحصانات عن الدول.
■ هل العلاقات الأمريكية - السعودية التى توصف بأنها علاقات صداقة ستتأثر بقانون «جاستا»؟ وما حقيقة أن «واشنطن» تبتعد عن حليفتها «الرياض»؟
- أولاً علينا أن نعلم بأن هناك تغييرات كثيرة حصلت فى المنطقة، هناك ما أسميه ابتعاداً بقدر ما هو إعادة صياغة لأسس ومرتكزات العلاقات الأمريكية - السعودية، علينا أن نعلم بأن فترة الأمن مقابل النفط هى فترة انتهت فى السابق، خصوصاً عندما أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط على مستوى العالم بحلول عام 2014، فتحولت الولايات المتحدة من مستورد إلى منتج، وإن كانت لا تزال 10% من وارداتها النفطية تأتى من السعودية، ولكن هذه القاعدة الذهبية اختلت بشكل ما، والولايات المتحدة دولة براجماتية تحرص على مصلحتها مثل أى دولة أخرى، ونحن نحترم ذلك، ولكن فى نفس الوقت من الأهمية بمكان أن نشرح أن السعودية ليست مجرد دولة مصدرة للنفط، بل هى مفتاح من مفاتيح الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، ومشاريع مكافحة الإرهاب تدار دائماً من قبل السعودية وحلفائها خاصة الولايات المتحدة، والولايات المتحدة تعلم هذا الشىء جيداً، ولذلك أعتقد أن كل ما حدث هو عبث تشريعى سياسى من قبل الإدارة التشريعية فى الولايات المتحدة، بينما الإدارة التنفيذية بكافة وحداتها تعلم بأن المملكة بريئة من أحداث 11 سبتمبر، وبشكل عام فإن الولايات المتحدة تمر بمرحلة استقطابية عالية جداً فيما يتعلق بعلاقاتها الخارجية، ليس تجاه السعودية فقط وإنما تجاه الدول الأخرى، وهذا يتطلب وقتاً كثيراً لترميم ما تم إفساده فى الفترة السابقة، أعتقد أن الولايات المتحدة بشكل عام هى الحليف الأقوى والأكبر لدول الخليج ولا تزال دول الخليج تعلم تماماً أن الولايات المتحدة نفسها تعلم أهمية دول الخليج، خاصة السعودية.
سوريا لن تحدث شرخاً فى العلاقات بين القاهرة والرياض.. وموقف السعودية من الإخوان المتطرفين جزء من أسباب توتر العلاقات مع أمريكا
■ ما العنوان الذى يمكن أن نضعه للمرحلة الحالية فى علاقات الولايات المتحدة بالسعودية ودول المنطقة؟
- هذا سؤال جيد، ويحتاج إلى بحث أكثر، ولكن يمكن لى أن أشرح ذلك ولكن ليس فى وصف، خاصة أن السعودية الآن أثبتت أن بإمكانها التحرك باستقلالية تامة عن الولايات المتحدة، وهذا ما تم إثباته فى عملية «عاصفة الحزم» باليمن، وما تم إثباته أيضاً فى حماية مقدرات الشعب البحرينى عندما تم دخول درع الجزيرة إلى البحرين، وهذا ما أثبتناه أيضاً فى التعامل مع الملفات والقضايا الإقليمية والعالمية والتواصل والتجاذب الدبلوماسى مع القوى العظمى فى العالم كروسيا والصين، أعتقد أن الموضوع الأمنى ليس مقروناً بالولايات المتحدة كما فى السابق، وعندما نتحدث عن النفط فإنه أيضاً ليس مقروناً بالسعودية، أعتقد أن المرحلة المقبلة ستكون هى مرحلة مصالح متشعبة ليست ذات نطاق واحد، ولكن أعتقد أنها سيكون من الصعب حصرها فى مفهوم واحد، ستكون عدة مفاهيم مترابطة، وستكون اقتصادية متبادلة وسياسية واستخباراتية، خاصة أننا نعلم أن «سى آى إيه» لديه أكبر تعاونات يتم تقديمها من قبل دول الشرق الأوسط، خاصة من خلال السعودية، ستكون مصالح فيها نوع من الندية وليست الحاجة إلى الآخر بطريقة غير منطقية، بل ستكون أكثر استراتيجية وأكثر عمقاً، وهذا الأمر يحتاج إلى وقت، فالولايات المتحدة تمر بمرحلة استقطابية كبيرة، ليست السعودية وحدها قلقة وإنما هناك اليابان و«الاتحاد الأوروبى» وتايوان، وأعتقد أياً كانت الإدارة الأمريكية المقبلة فسيكون هناك تصحيح نسبى وتدريجى للسياسات الخارجية الأمريكية الحالية.
■ هل ترى أن جزءاً من توتر العلاقات مؤخراً بين السعودية والولايات المتحدة يعود لموقف «الرياض» الداعم لمصر ومواقفها الرافضة لجماعة الإخوان؟
- هناك تكهنات كثيرة فى ذلك المجال، وبإمكانى أن أجيب عليك بـ«نعم»، السعودية وموقفها الحازم ضد جماعة الإخوان، هذه الجماعة المتطرفة التى تحاول أن تتغلغل فى العالم العربى، وهذا الأمر مرفوض لدى المملكة، أعتقد أن أوباما وسياساته فى السنوات السابقة، حين كان يحاول تطبيع العلاقات مع إيران، يعلم تماماً أن إيران ليست لديها مشكلة مع جماعة الإخوان، وأن «طهران» داعمة لتلك الجماعة، وكان يتصور أن تقوية شوكة الإخوان فى العالم العربى من خلال خلاياهم وعلى المدى البعيد سيضمن نوعاً من السلام المستقبلى مع إيران، خصوصاً أن إيران داعمة قوية للجماعة بكافة أقسامها، سواء السياسية أو الثقافية أو العسكرية. نعم هذه كانت جزءاً من الاستراتيجية الأمريكية بتقوية شوكة الإخوان فى العالم العربى لكى يتم احتواء الجماعات المتطرفة، وكانت إدارة أوباما تعتقد أن الإخوان هم الجماعة الوحيدة القادرة على احتواء الجماعات المتطرفة، خصوصاً أن تلك الجماعات استقت ثقافتها وأيديولوجيتها من فكر جماعة الإخوان، فكانت قراءة سيئة للرئاسة الأمريكية، والرياض كانت ولا تزال تقدم كل الدعم للأشقاء فى مصر، فالسعودية وعلاقتها مع مصر ليست علاقة مصالح بل هى علاقة مبدأ ويمكن لأى منا تلخيصها فى قول واحد «علاقة المصير المشترك».
■ ما قلته لم يكن يروق لإدارة «أوباما»؟
- ما فيه شك فى ذلك، ما فيه شك.
■ البعض قال إن ما وصفته بـ«العبث» التشريعى فيما يتعلق بـ«جاستا» أتى بسبب نشاط اللوبى الإيرانى فى الفترة الأخيرة؟
- أعتقد أن هناك مبالغة فيما يتعلق بدور اللوبى الإيرانى فى الولايات المتحدة، أعتقد أن التحركات الأمريكية، خاصة حينما نفكر فى هذا التشريع، ليس فى مصلحة إيران، أمريكا لا تحتاج إلى قانون جاستا لتأخذ إيران إلى المحكمة، وبصفة عامة هناك نوع من المبالغة فيما يتعلق بالدور الإيرانى فى الولايات المتحدة ولكن هذا لا يعنى أنهم لا يعملون، ولكن عملهم ليس بالشكل الذى يتم تصويره فى الإعلام العربى.