كابوس «ستيفين كوك»: تجاهل استهداف السياحة بتعدد حوادث الطائرات.. وأغفل صعوبة تأسيس منظومة صحية متكاملة تكفل رعاية 90 مليون مصرى
«فورين أفيرز» الكابوس المصرى.. «مخاطر حرب السيسى على الإرهاب»
يُعد «ستيفين كوك» واحداً من أهم الباحثين فى الولايات المتحدة، إلا أن ذلك لا يحول دون التعقيب على أخطاء واضحة حملها تحليله الأخير للمشهد فى مصر، الذى تم نشره مؤخراً فى دورية «فورين أفيرز» تحت عنوان «الكابوس المصرى».
فى هذا التحليل وقف ستيفين كوك عند النتائج، متجاهلاً الأسباب التى أدت إليها، محمّلاً الإدارة المصرية المسئولية عن أمور سبقت توليها السلطة وغض البصر عن تفاصيل الواقع المصرى بكل أعبائه.
إذ يرى «كوك» أن «الأوضاع فى مصر الآن أسوأ مما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير بكل المقاييس، إذ إن الرئيس عبدالفتاح السيسى اتبع نظام حكم أكثر استبدادية وديكتاتورية من نظام «مبارك»، فإلى جانب الركود الاقتصادى، تضاءلت نسبة احتياطى مصر من العملات الأجنبية إلى مستويات خطيرة، ففى يوليو تضاءلت إلى ما يقل عن 16 مليار دولار، وقد ذبلت صناعة السياحة فى مصر، التى كانت مصدراً حيوياً للعملة الصعبة والاستثمار، كما أن البنية التحية فى مصر تنهار، إضافة إلى نظم التعليم والصحة العامة، الآخذة فى التدهور، ويعيش أكثر من ربع المصريين فى الفقر، أى ما يقرب من 22.5 مليون شخص، إضافة إلى تجاوز معدلات البطالة بين الشباب الأربعين فى المائة (40%)، كما أن الحكومة المصرية لم تعمل على إنعاش الاقتصاد المصرى، إذ تُركز على قمع مواطنيها، الأمر الذى تُجيده الحكومة المصرية، مستشهداً بفض اعتصام «رابعة». هذه الوجهة من النظر عندما تصدر من باحث له تأثير مثل «ستيفين كوك»، تستحق منا التوقف والرد ليس دفاعاً عن أحد، ولكن لتوضيح حقائق غائبة أو تم تعمد تغييبها وفى تقديرنا أنه قد غاب عن الباحث الأمريكى الآتى:
- أن الرئيس السيسى لم يتسلم الحكم بشكل مباشر من الرئيس الأسبق مبارك والسياحة مزدهرة والاحتياطى النقدى مرتفع، ولكن بينهما ثورتان تكفلتا بدفع الاقتصاد المصرى إلى وضع حرج وتهديد الاحتياطى النقدى بشكل مؤسف.
- الكاتب محق فى أن السياحة هى أهم مصادر الدخل المصرى، ولكنه تجاهل حقيقة استهداف السياحة المصرية بتعدد حوادث الطائرات فى فترة لا تتجاوز ستة أشهر ما بين التحطيم والخطف ودفع دول غربية مواطنيها لعدم زيارة مصر مع أن الإرهاب ضرب أوروبا نفسها.
- أما فيما يخص البنية التحتية فحديث الكاتب يعكس عدم إلمام بحجم العمل الذى يتم على الأرض فى مشاريع مختلفة داخل كافة المحافظات المصرية، فضلاً عن تحديث شبكة الطرق والقضاء على أزمة الكهرباء والطاقة التى كانت تعانى منها مصر.
- وفيما يخص ملف الصحة يدرك الكاتب أن تأسيس منظومة صحية متكاملة تكفل رعاية 90 مليون مصرى لا تتم بين عشية وضحاها بل إن دولاً متقدمة وجدت صعوبة فى تمرير برامج رعاية صحية شاملة لمواطنيها، ومثال ذلك ما حدث فى مشروع «أوباما كير» الذى مر بصعوبات بالغة أدت فى وقت من الأوقات إلى الإغلاق الحكومى، ومع ذلك نجحت مصر فى مواجهة أزمة كانت تشكل تهديداً خطيراً على الصحة العامة لمواطنيها تتمثل فى منظومة علاج فيروس «سى».
- أما النقطة اللافتة فهى الإشادة الآن بالأوضاع داخل مصر قبل 25 يناير، ففى مطبوعة «فورين أفيرز» نفسها كانت تقدم تحليلات مشابهة قبل 25 يناير تتحدث عن سوء الأوضاع وانهيار الخدمات والبطالة وأشياء من هذا القبيل.
- وصف الكاتب إدارة الرئيس السيسى بأنها استحوذت على السلطة مصمماً على تجاهل ثورة شعبية كبرى وهى ثورة يونيو وانتخابات رئاسية تمت بشفافية مطلقة وبحضور مراقبين دوليين نتج عنها انتخابه بأغلبية استثنائية.
- يتحدث الكاتب عن مواجهة مصر للإرهاب على أنها قمع، وهو تضليل صريح إذ لا توجد دولة فى العالم تقبل بوجود اعتصام مسلح على أرضها، لأن دورها هو فرض القانون والنظام وتوفير الحماية لمواطنيها، والمقارنة بين القمع ومواجهة الإرهاب يكشفها النموذج التركى الذى أقدم على أفعال لم تقدم عليها أعرق الديكتاتوريات فى التاريخ الحديث والقديم لمواجهة الإرادات المختلفة داخل الدولة التركية.
- يختزل الكاتب كارثية حكم الإخوان لمصر فى مجرد أخطاء، متجاهلاً أن هذا الحكم كان سيدفع المصريين إلى حرب أهلية كانت كافية بتدمير الشرق الأوسط كله، لولا انحياز القوات المسلحة لإرادة الشعب بهدف إنقاذ الدولة المصرية، ولولا هذا الدور لكانت مصر ضمن خارطة الفوضى فى الشرق الأوسط المنشورة هذا الشهر فى الـ«واشنطن بوست».
- يتحدث الكاتب عن معضلة دفع الاستثمار إلى الأمام، وهو محق فى أننا نواجه بالفعل أزمة فى هذا الملف، ولكن الحكومة والإدارة المصرية تنتهج السياق المنطقى، فلا يوجد استثمار بلا استقرار ولا يوجد استقرار بلا أمن، وبالتالى فإنها تعمل على تحقيق الأمن والاستقرار أولاً مع محاولة تهيئة الأوضاع لخلق بيئة استثمارية سليمة فى ظل أوضاع استثنائية، وأقدمت على إجراءات جريئة ومؤلمة بهدف الإصلاح الاقتصادى ولم تعبأ بأن هذه الإجراءات قد تؤثر على شعبيتها لأن هدفها هو الصالح العام.