ندوة الإعلام فى مؤتمر الشباب كانت أقرب إلى مصيدة للكاتب الصحفى الكبير إبراهيم عيسى الذى نجح باقتدار فى الخروج منها وإعطاء المتربصين درساً قاسياً فى المهنة وأحوالها وقواعدها.. فليس من المقبول أن يستهدف معظم الحاضرين على المنصة طريقة وأسلوب «عيسى»، المعتمد على الرأى اللاذع المبنى على المعلومات والوقائع، بأسلوب يفتقد للقواعد العلمية والمهنية. فقد ضرب هؤلاء المتربصون قواعد المهنة فى مقتل حينما تحدثوا بجهل عن ضرورة أن يقوم الإعلام بنقل الخبر فقط، ونسوا أو تناسوا أن وسائل الاتصال الحديثة أصبحت تشترك فى نقل الأخبار وبسرعة رهيبة، وأن الدور الرئيسى للإعلام التقليدى هو التحليل والرأى.
الغريب أن هؤلاء حاولوا مجاملة ونفاق السلطة الحالية فى القاعة بالتركيز على نموذج «عيسى» فى إبداء آرائه، مع أن كوارث الإعلام فى أمور أخرى كثيرة، مثل نقل أخبار غير صحيحة والتعرض للحياة الشخصية وانتهاك حرمات الناس على الشاشات واستخدام الدجل والشعوذة والترويج لهذه الثقافة، والتحريض على العنف، وتفكيك وحدة المجتمع، وإشعال أو تأجيج الفتنة الطائفية، وكلها أمور تحدث وتسبب أخطاء كثيرة وكبيرة. والأغرب أن بعضهم يجامل السلطة لذلك لم يروا مثل هذه الأمور، وكان كل تركيز النيشان على عيسى الذى يعلم الجميع أنه بلا أخطاء قانونية، أو سبق له خرق ميثاق الشرف، لكن عيسى يتفرد بامتلاك رصيد ثقافى وسياسى يجعله ناقداً قوياً فى مواجهة أخطاء السلطة.
لو كانت الصحافة اكتفت بدورها الذى حصره بعض الجالسين على المنصة فى نقل الأخبار فلماذا صفقوا لها ولإبراهيم عيسى أيام الإخوان؟ والجميع يعلم أن الإعلام كان رأس الحربة فى مواجهة ديكتاتورية الجماعات الظلامية. ولولا الإعلام، وعلى رأسه إبراهيم عيسى ولميس الحديدى ويوسف الحسينى وغيرهم كثيرون، حيث عبروا عن رأى الناس بشجاعة يحسدون عليها استخدموا فيها التحليل والرأى ولم يكتفوا فقط بنقل الخبر.. لحكم الإخوان لمصر قروناً من الزمان.
لقد أعطى إبراهيم عيسى، خلال الندوة، درساً قاسياً للمنظِّرين فى ضرورة أن يقود الإعلام الناس وليس كما ردد الذين لم نرَ لهم إنتاجاً صحفياً وإعلامياً يُذكر. «عيسى» ينقل الخبر ويحلل وينشر الوعى والتنوير ويدفع ثمن مواقفه، وقد نجح أثناء الندوة فى تذكير الناس بالصحافة وتضحياتها بعد أن اختزلها البعض فى بعض المواقف التافهة، وهو أيضاً ما فعله الكاتب الكبير والمخضرم مكرم محمد أحمد بعدما شعر أن الجالسين على المنصة يتحدثون عن مهنة أخرى، لا سيما أن معظم هؤلاء لا يجيد سوى التنظير ولا يملك تجارب حقيقية فى المهنة، وهذا مرض انتشر فى المجتمع كثيراً خلال الفترة الماضية، حيث ينظّر الكثيرون دون دراسة أو تجربة جادة فى المهنة، وكأنها أصبحت على المشاع، فكل من شاهد برنامجاً أو كتب مقالاً بعلاقاته العامة اعتقد فى نفسه أنه «هيكل الصحافة والتليفزيون».
عموماً.. لن ينجح المتربصون فى أن تكون الصحافة على هواهم لأنها رسالة، ولكل مصرى أن يفخر بإعلامه رغم ما به من ملاحظات وما يواجهه من صعاب ومشاكل، خاصة فى التدريب والتعلم الحقيقى لمهارة الصحافة والإعلام فيما نرى أخطاء السلطة وجرائمها التى أدت بنا إلى ما نحن فيه الآن من وقوف دولة بحجم مصر على حافة الهاوية نتيجة سياسات السلطة من عشرات السنين وإلى الآن، ولكن لا يُسمح لأحد بالخوض فيها، فيما يتم اتهام الإعلام وتحميله جرائم السلطة.. الإعلام له ما له وعليه ما عليه، فلا يجب شيطنته بهذا الشكل، بل يجب أن يكون محل فخر وليس موقع انتقاد دائم.. خاصة أن كل محاولات قتله ومحاصرته من جميع الأنظمة قد باءت بالفشل على مدى التاريخ. ومن لا يدرك ذلك عليه أن يسأل ويقرأ ليعرف.. أو يشاهد ويتعلم من المحترم إبراهيم عيسى.