7 آلاف قاضٍ على «المنصة» للفصل فى 16 مليون قضية
![محمد مرسى فى إحدى جلسات محاكمته](https://watanimg.elwatannews.com/image_archive/840x473/18538937291478112584.jpg)
محمد مرسى فى إحدى جلسات محاكمته
وفقاً لتقديرات القضاة، فإن عدد القضايا المتداولة أمام المحاكم تقترب من 16 مليون قضية، فى حين يبلغ إجمالى عدد القضاة 16 ألف قاضٍ وعضو نيابة عامة، من يجلس منهم على المنصة للفصل فى القضايا لا يتجاوز 7 آلاف قاضٍ فقط، يتعاملون مع ما يقرب من نصف مليون محامٍ وقانونى، أى إنه حتى يتم الانتهاء من تلك القضايا يجب أن يفصل كل قاضٍ فيما يزيد على 2300 قضية. هذه الأرقام المخيفة والمزعجة تتعلق فقط بالقضاء العادى، وتزداد الأمور تعقيداً حينما نعلم أن عدد القضايا المتداولة أمام محاكم مجلس الدولة تزيد على 5 ملايين قضية، فى حين يبلغ عدد قضاة المجلس المختصين بالفصل فى تلك القضايا ما يقرب من 1500 قاضٍ.
مصدر بـ«العدل»: ليست لدينا موارد لبناء قاعات والحل فى توافر «إرادة الدولة».. و«إمام»: «مش معقول قاضى جزئى ينظر 300 قضية كل جلسة»
هذه الإشكالية الكبيرة التى كشفت عنها الأرقام تعد أحد الأسباب الرئيسية لبطء التقاضى، وعلاجها الوحيد هو زيادة أعداد القضاة، لكن فى المقابل يجب أن يقابل ذلك زيادة فى عدد قاعات المحاكم، وبناء دور عدالة جديدة وترميم ما تم حرقه منها من قبل جماعة الإخوان الإرهابية عقب فض اعتصامى «رابعة والنهضة».
حل إشكالية عدد القضاة يجب أن يتوازى معه حل مشكلة نقص قاعات المحاكم، التى بسببها تعقد الجلسات صباحاً ومساء، حيث تنتظر كل دائرة بالمحكمة سواء كانت دائرة جنائية أو مدنية لحين انتهاء الجلسة الصباحية وعقد جلسة مسائية، ما يسبب إرهاقاً للقضاة وينعكس على أدائهم فتصبح النتيجة النهائية لذلك «عدالة بطيئة».
التقديرات المتاحة من مصادر قضائية تكشف وجود 8 محاكم استئناف على مستوى الجمهورية، لكل محكمة مأموريات بالمحافظات، بالإضافة إلى ما يقرب من 30 محكمة ابتدائية على مستوى الجمهورية تضم بداخلها محاكم كلية وجزئية، فضلاً عن محكمة النقض.
مصدر قضائى رفيع المستوى بوزارة العدل، قال إن حل المشكلة يحتاج إلى توافر إرادة الدولة، إلى جانب توفير الإمكانيات المادية اللازمة لبناء محاكم جديدة، مضيفاً أن ميزانية وزارة العدل وصندوق أبنية المحاكم وما به من أموال لا تكفى لبناء محاكم جديدة. وأضاف أنه لو تم زيادة عدد القضاة فستكون الإشكالية فى عدم وجود المحاكم الكافية، وبالتالى فالقضيتان مرتبطتان ببعضهما البعض.
من جانبه، قال المستشار عبدالستار إمام، رئيس نادى قضاة المنوفية، إن منظومة العدالة تتكون من عدة محاور، من بينها أبنية المحاكم وأعداد القضاة، وبالنسبة لمبانى المحاكم فأعدادها غير كافية، لذا نجد أن الدوائر تعقد جلسات صباحية ومسائية، مشيراً إلى أن كثيراً من قاعات المحاكم يحتاج إلى تطوير وترميم، على أن يكون هناك بالتوازى إنشاء محاكم جديدة. وقال إن بكل دائرة قسم أو مركز توجد محكمة جزئية، بالإضافة إلى 8 محاكم استئناف على مستوى الجمهورية بالمأموريات التابعة لها، لافتاً إلى أن بعض الدوائر بمحاكم الاستئناف تشكل من 4 قضاة رغم أن القانون نص على أن أحكام الجنايات يلزم لإصدارها 3 قضاة فقط، ويمكن الاستفادة من هذه الزيادة بتشكيل دوائر أخرى، لكن ستبقى المشكلة فى قلة عدد القاعات. وأوضح «إمام» أن مواجهة قلة عدد القضاة تحتاج إلى إنشاء أكاديمية القضاء، لأن اختيار القاضى وإعداده وتدريبه ليس بالأمر السهل، مشدداً على ضرورة أن يكون الهدف من هذه الأكاديمية فى حال إنشائها هو تأهيل القضاة علمياً ونفسياً وعقائدياً، مشيراً إلى أنه «مش معقول قاضى جزئى ينظر 300 قضية كل جلسة»، وهو عدد كبير يمثل إرهاقاً وعبئاً على القاضى مما يترتب عليه تأخر الفصل فى القضايا، قائلاً: «فى بداية عملى بمحكمة الجنايات كان لا يزيد عدد القضايا التى أنظرها فى الجلسة الواحدة عن 8 قضايا، بينما الآن الجلسة الواحدة بها 40 قضية جنائية». وأوضح رئيس نادى قضاة المنوفية أننا نحتاج إلى جانب زيادة عدد القضاة وتوفير قاعات للمحاكم فضلاً عن تطوير الأجهزة المعاونة للقضاء، سواء الخبراء أو الطب الشرعى، بالإضافة إلى ضرورة ميكنة العملية القضائية.
لا يمكن الحديث عن زيادة عدد القضايا دون التطرق إلى تصنيف القضايا الأكثر تأخراً فى الفصل فيها، حيث تختلف مدة التقاضى من قضايا إلى أخرى حسب تصنيفها، فقضايا الأحوال الشخصية والعمالية والقضايا التى تُعرف بالقضايا السياسية تمتد إلى سنوات طويلة نتيجة كثرتها وما تتطلبه من سماع الشهود وانتظار تقارير الخبراء، بل إنه فى أحيان كثيرة قد يكون التأخير لأغراض تتعلق بالمحامين ذاتهم المترافعين فى تلك القضايا، وذلك على عكس معظم القضايا الجنائية التى قد تستغرق القضية شهرين فقط للفصل فيها، لأن النيابة العامة تقدم المتهم وأدلة الاتهام وتحريات المباحث للقاضى فيتم الحكم فيها، باستثناء القضايا المحكوم فيها بالإعدام، نظراً للضمانات الكثيرة التى وضعها المشرع بشأن أحكام الإعدام.
وعن القضايا الجنائية وقلة مدة التقاضى عكس باقى القضايا، يقول الدكتور أحمد شوقى أبوخطوة، أستاذ القانون الجنائى: «القضايا الجنائية تختلف عن قضايا الأحوال الشخصية والعمالية، فالأولى هناك طرف أو جهة تسمى النيابة العامة وهى المسئولة عن الدعاوى الجنائية وهى التى تقدم المتهم فى القضية ومن المفترض أن لديها أدلة قاطعة على أنه من ارتكب الجريمة، فمثلاً قضية تزوير تقدم النيابة الأداة التى تم استخدامها فى التزوير والمستند المُزور وكل التحريات اللى قدمتها المباحث، ولو كانت جريمة قتل عمد تقدم السلاح المستخدم فى الجريمة وتقدم أيضاً شهود الإثبات والتحريات التى أجراها مأمور الضبط القضائى وكلها أدلة النيابة العامة لا تستطيع تقديم قضايا للجنح ولا الجنايات بدونها، ومحكمة الجنايات إذا وجدت الأدلة متوافرة أمامها واقتنعت بها لن تأخذ وقتاً وستحكم بسرعة فى القضية»، حسب قوله. وتابع: «إذا أراد المتهم أو النيابة العامة أن تطعن فى القضايا الجنائية فليس أمامهما سوى 60 يوماً للطعن أمام محكمة النقض، وإلا أصبح باتاً ونهائياً»، مشيراً إلى أن النيابة العامة عليها دور كبير فى إنهاء تلك القضايا قبل إحالتها للمحكمة، فإذا كانت أدلتها كافية وقوية قد لا تستغرق القضايا الجنائية سوى شهرين فقط، وأوضح أن هناك قضايا يطول أمدها بسبب الإجراءات الخاصة بها مثل قضايا الإعدام، حيث لا بد أن يصدر الحكم بالإجماع ثم يتم أخذ رأى المفتى ثم يتم الطعن على الحكم أمام النقض، وفى حال تأييده يتم التصديق عليه من رئيس الجمهورية.
وأكد أستاذ القانون الجنائى، أن المعوقات التى تطيل من مدة القضايا الجنائية هى عدم توافر دليل ما أو مماطلة من أحد المحامين أو انتظار سماع بعض الشهود، ومن أهم المعوقات هى تقارير الخبراء فهى سبب فى تأخير أى قضية لأن الحصول على التقرير يستغرق وقتاً طويلاً قد يمتد إلى عام كامل أو أكثر.
وعن القضايا العمالية والأحوال الشخصية، يقول سيد أبوزيد، المحامى بالنقض والإدارية العليا: «وسيلة التطويل يستخدمها الخصم من خلال القوانين القائمة عندما يشعر أحد الطرفين بضعف موقفه فى القضية، وفى قضايا العمال بالتحديد يقوم المحامى أو المدعى بإطالة أمد التقاضى فى القضايا التى يشعر أنه سيخسرها، وهناك بعض المحامين يقومون بإطالة أمد القضية لجمع أكبر قدر من الأموال من موكله». وفى قضايا العمال قد يزيد المدعى عليه وهو (صاحب العمل) فترة القضية التى يشعر أنه سيخسرها أيضاً لأنه يعرف أن العامل إمكانياته ضعيفة ولا يستطيع الصرف على القضية إذا طالت مدتها، وبالتالى يكون هدفه هو بث الإحباط داخل العامل الضعيف ومن ثم لا يستطيع العامل استكمال القضية ويتنازل عنها أو يخسرها، وكل هذه ثغرات فى القوانين يتم استغلالها، لتأخير الفصل فى القضايا. أما عن قضايا الأحوال الشخصية، فيقول «أبوزيد»: «وهى التى تتضمن الخلافات بين الزوجين سواء طلاق أو نفقة، ومعظم القوانين تقف مع الزوجة وتكون منصفة لها وبالتالى يلجأ الزوج إلى إطالة القضايا على الزوجة لأنه يعرف جيداً أنها لن تستطيع استكمال القضية بسبب تكاليفها، فيستخدم هذا الأسلوب من الضغط عليها حتى تضطر فى النهاية للاستسلام». ويوضح أن لجان التسوية بمحاكم الأسرة لا تقوم بدورها الفعال فى حل الخلافات بين الزوجين قبل اللجوء إلى القضاء، مشدداً على ضرورة الحد من اللجوء إلى القضاء فى تلك النوعية من القضايا لأنها الأكبر عدداً وتسبب خسارة كبيرة على المجتمع، كما يجب مراجعة القوانين التى تطيل أمد النزاع على أن يكون هناك موقف حاسم وعقوبة على من يتعمد إطالة أمد التقاضى، وتابع أن ما يحدث فى القضايا السياسية، وبالتحديد فى القضايا التى تتعلق بالإرهاب، لا بد من وجود قانون يجعل الفصل فى تلك القضايا على وجه السرعة دون الحاجة إلى كثرة الإجراءات المتعلقة بها.