المفرج عنهم بـ«العفو الرئاسى»: أيام السجن صعبة.. واتعلمنا الدرس
المفرج عنهم لحظة خروجهم من باب السجن
من أمام سجن طرة، فى ساعات الصباح الأولى أمس، تجمع عدد من الأهالى، التى صدرت أسماء أبنائهم وأقاربهم ضمن قوائم المفرج عنهم، يترقبون خروجهم، والقلق على وجوههم، يلتفتون بانتباه كلما تم فتح باب السجن لخروج إحدى السيارات أو دخولها، وما هى إلا دقائق قليلة، حتى فُتح باب السجن على مصراعيه، وخرج منه المفرج عنهم، مرتدين ملابس بيضاء خفيفة، مندفعين نحو أقاربهم بلهفة، جميعهم شباب فى مراحل عمرية مختلفة، غمرتهم بهجة الخروج من باب السجن، بعضهم غادر على الفور مع أهله، والبعض الآخر بدأ بالاتصال بذويه ليخبرهم بأنه تم الإفراج عنه.
شاب ممتلئ القوام، يرتدى بنطالاً أزرق و«تيشيرت» أبيض قصير الأكمام، يقف مصطفى أحمد، مبتسماً بملامح يبدو عليها الذهول: «كان محكوم عليّا بـ25 سنة سجن، قضيت منها 3 سنين، مش قادر أصدق أنى شفت الشارع»، متابعاً أن «حياته دُمرت بالكامل بعد إلقاء القبض عليه»، لذلك رفض ذكر الأحداث التى قبض عليه فيها: «الحمد لله أنا ما صدّقت أنى خرجت.. الحمد لله مش مصدّق نفسى».
«دموع وزغاريد وأحضان» أمام سجن طرة
يقول «مصطفى» إنه أحد عمال محافظة السويس، وبعد إلقاء القبض عليه وصدور حكم ضده، انتابت أسرته حالة نفسية سيئة للغاية، فوالدته لم تتمكن من زيارته سوى مرات قليلة، بسبب المتاعب الصحية التى تعانى منها، فى حين تخلت عنه خطيبته فور صدور الحكم: «كنت بتعامل مع نفسى على أنى خلاص هموت فى السجن ومش هطلع تانى، مش قادر أصدق أنى واقف على الأسفلت وهركب عربية وهمشى»، كذلك يوضح المعاناة: «الحكم النهائى صدر ضدى فى سنة 2013، وعرفت أنه خلاص مفيش أى أمل أنى أطلع من السجن تانى أبداً، لكن ربنا رحمته واسعة، سمع دعائى وخرجت الحمد لله».
يقف بمفرده أمام السجن، منتظراً أشقاءه، الذين علموا بموعد خروجه وجاءوا له خصيصاً من محافظة أسيوط، ليعيدوه إلى بيته، يقول على المبشر، شاب فى منتصف العشرينات من عمره: «أنا محبوس بقالى 33 شهر، كان فاضل 3 شهور وأخرج».
يحكى «المبشر» عن ملابسات القبض عليه، موضحاً أنه تم القبض عليه فى الذكرى الثانية لثورة 25 من يناير، أثناء سيره فى إحدى مظاهرات محافظة أسيوط، مؤكداً أنه لم يرتكب أى أعمال عنف أو شغب، كما لم يكن له أى نشاط سياسى سابق، وأن وجوده فى هذا المكان وفى ذلك التوقيت جاء مصادفة: «السجن بيعلّم حاجات كتير، منها الصبر، وأن الواحد مننا لازم ينتبه لمستقبله».
يضيف الشاب الأسيوطى أن أسرته وأشقاءه عانوا كثيراً خلال فترة حبسه، حيث كانوا يأتون من «أسيوط» خصيصاً لزيارته: «اليوم فى السجن بيعدّى كأنه سنة، أنا بحمد ربنا إنى طالع قبل ميعادى بـ3 شهور». وعن التحديات التى واجهها المبشر، أثناء فترة حبسه، يقول إنه دخل السجن أثناء دراسته فى كلية الآداب جامعة أسيوط، وشعر أن مستقبله صار مهدداً بالضياع: «كملت دراستى جوه السجن، ودخلت امتحانات سنة رابعة واتخرجت».
«مصطفى» محكوم عليه بـ25 سنة: مش قادر أصدق إنى شفت الشارع تانى.. و«سهير»: «أخويا اتقبض عليه من ورشته بتهمة خرق حظر التجوال».. و«عبدالله»: ماقدرتش أدخل امتحانات الثانوية العامة
على جانب الطريق المحيط بسجن طرة، يقف «محمد على»، الشاب العشرينى، يحمل حقيبة زرقاء بها متعلقاته، باحثاً عن وسيلة مواصلات إلى ميدان رمسيس: «أول مرة فى حياتى يتعمل لى قضية وأتسجن، أنا أصلاً واقف بلبس السجن مكسوف، والناس اللى هطلع أركب معاهم هيتفرجوا عليّا كأنى مجرم»، كذلك يشرح: اتحكم عليّا بالسجن لمدة 3 سنوات، بسبب قضية تظاهر فى محافظة أسيوط، بعد أحداث فض اعتصام رابعة العدوية.
وعن مصيره الذى ينتظره خارج السجن، يقول «محمد»: «محدش هيرضى يشغلنا، بس نحمد الله أننا طلعنا لأهلنا»، ويطالب الشاب العشرينى «رئيس الجمهورية» بإصدار عفو عن بقية الشباب المقبوض عليهم فى قضايا تظاهر، خاصة المرضى منهم: «الحياة فى السجن صعبة، الإنسان بيتغير جواه، والحياة بتكون قاسية جداً على المرضى». يرتدى صبرى عادل حسين، «تيشرت» أبيض خفيفاً، وتبدو عليه ملامح الإجهاد والتعب، يضع يديه على كتفيه من وقت لآخر، من شدة البرد، بينما يتجول وسط الأهالى الذين جاءوا لاستقبال أولادهم، منتظراً أى وسيلة لإجراء مكالمة هاتفية ليطمئن أهله فى مدينة المنصورة: «صدر حكم عليّا بالحبس 3 سنين، قضيت منهم سنتين ونص»، مشيراً إلى أنه تم القبض عليه فى أحداث التظاهرات والشغب أمام جامعة الأزهر، فى 10 ديسمبر عام 2013، وذلك أثناء مروره من أمام مدينته الجامعية.
يقول «عامر»: «كنت ماشى فى ميدان الثقافة فى سوهاج، مكنتش تبع أى مظاهرة، بصراحة رُحت أتفرج لما لقيت الدنيا مقلوبة، وفجأة الضرب بدأ»، لافتاً إلى أنه بسبب نقص معرفته وخبرته بما يجرى من أمور، لم يتمكن حتى من الهروب من قوات الأمن، ولم يعرف مَن يهاجم مَن، على حد وصفه، ليجد نفسه بين الأمن والمتظاهرين: صدر عليّا حكم بالسجن 3 سنوات ونصف، قضيت منهم تقريباً 3 سنين أو أقل شوية»، مؤكداً أنه مثل بقية الشباب المقبوض عليهم، معظمهم طلاب أو من حديثى التخرج، وأن والده لم يأت ليستقبله أثناء خروجه من السجن، لأنه لا يزال غاضباً منه، لما تسبب فيه من مشاكل بعد حبسه، يعانى منها جميع أفراد أسرته.
يركض أحمد عبدالله رضوان، شاب فى الـ25 من عمره، بخطوات سريعة ليحتضن أخاه الأكبر «عبدالله»، وينهمر كلاهما فى البكاء.. دقائق مرت، وهما لا يزالا يتشبثان ببعضهما، يقول «عبدالله»: «كنت فى الكويت وقلبى بيتقطع على أخويا، ما صدقت إن اسمه ضمن المعفو عنهم من الرئاسة، شفت الاسم من على النت، وجيت إمبارح بالليل أسأل»، مؤكداً أنه قضى ليلته فى انتظار الإفراج عن أخيه، حتى تم الإفراج عنه بالفعل فى الثامنة صباح اليوم التالى، مضيفاً: «أخويا اتقبض عليه فى سوهاج يوم 14 أغسطس 2013، هو وابن عمه اللى إن شاء الله هيخرج بعد 3 شهور».
«شادى»: «الحبس خلانا عواجيز بس اتنفسنا هوا الحرية».. و«عامر»: كنت بتفرّج على مظاهرة ومش هعمل كدة تانى
بينما يقول أحمد رضوان، الشاب المفرج عنه: «اتقبض عليّا ظلم والله أنا وابن عمى محمود، كنا لسه طالعين من القهوة واتقبض علينا»، موضحاً أنه دخل السجن وعمره 22 سنة، وخرج عمره 25 سنة، ويشعر أن تلك السنوات الثلاث وكأنها الدهر بالنسبة له: «عايز أرجع البيت بسرعة، النهارده المشوار طويل من القاهرة لسوهاج، ربنا يبعد عن الناس شر الحبسة، خاصة للشباب الصغير».
دموع تنجرف من عين عبدالله صبرى، صاحب الـ19 ربيعاً، بينما ينتظر قدوم والده، ليعود به إلى البيت: «اتقبض عليّا من ميدان رمسيس، كنت جاى من البحيرة أزور عمتى فى القاهرة»، عامان من عمر «عبدالله» قضاهما فى السجن.
سهير زكى عبدالرحمن، تقف مرتعشة أمام باب السجن، تنتظر خروج شقيقها، تبكى كثيراً، وهى تقول «أخويا على اتحكم عليه بـ4 سنين سجن، قضى منها سنتين»، لافتة إلى أن الفرحة لم تعرف لها طريقاً، مثل اللحظة التى وجدت فيها اسم أخيها من ضمن قائمة العفو الرئاسى، حيث اندفعت بالصياح والزغاريد من شدة الفرح.
«كل اللى واقفين معانا دول شباب الجيران وأصحاب على أخويا، هو جدع ومحبوب»، كذلك تشرح «سهير» ملابسات القبض عليه: فى عام 2013 تم إلقاء القبض على أخويا فى منطقة عين شمس، من داخل ورشته لتصليح سيارات، وذلك تزامناً مع أحداث رابعة العدوية».