"الأسوار البيضاء" و"جهاز عدم التفكير".. أديبات الأطفال داخل نطاق الخدمة
أميمة عز الدين
إذا كان السواد الأعظم من كبار أدباء مصر، قد آثر الابتعاد عن مخاطبة الأطفال وشعر بعظمة مسئولية النصح لهم، فهناك آخرون قرروا أن يمسكوا بأقلامهم ويعطوا الإذن لخيالاتهم كي تصيغ أفكارا تصلح لمخاطبة جيل يصعب السيطرة على مداركه، منهم أمهات قررن أن يحولن مسار حياتهن من مجرد حكاءين لأطفالهن ليلا إلى أدباء تسعد حكايتهن قلوب صغار كبرت عقولهم قبل أوانها.
بدايتها مع قصص الأطفال كانت حينما فوجئت بانتهاء كل ما لديهم من حكايات اعتادت سردها على مسامع أكبر أبنائها، فتضطر لاختبار قدرتهن على تأليف الحكايات التي ترضي شغف طفل كبر عقله قبل أوانه، لتقرر الأم "أميمة عز الدين" ترك مجال دراستها التي عكفت عليه أعوام طويلة والتفرغ لمخاطبة أطفال يصعب السيطرة على مداركهم، "انا معاية ماجستير إدارة أعمال، ولما قررت أكتب حكايات للأطفال إتقابلت بإحباط شديد جدا، لكن أصريت إني أكمل اللي بدأته"..
مشوار الكاتبة أميمة عز الدين مع "حواديت الأطفال" اتسم بتوصيل الرسائل لهم بشكل غير مباشر منذ روايتها الأولى التي نشرتها في مجلة "باسم" بعنوان: "ساقان من خشب"، تحكي عن طفل اعتاد التمرد على حاله والنظر إلى غيره من الأسوياء، قبل أن يحدث ما يرضيه عن وضعه وإعاقته، "الطفل ما بيحبش الوعظ في الحواديت، عشان كده كنت بابذل مجهود كبير أوي في كتابة رسالة معينة بشكل ما يكرهش الطفل في الحكاية".
بث القيم النبيلة في نفوس الأطفال كان هدفا واضحا للكاتبة، التي الأربعينية جابت رواياتها صفحات مجلات "علاء الدين وقطر الندى" على مدار 20 عام من تاريخها، فروايتها التي حملت عنوان "أحلام مريم"، حثت الأطفال على عدم الاستسلام لأي شيء مهما كانت صعوبته، من خلال تلك الطفلة التي لم توقف حياتها لمجرد إعاقتها، وقررت التعبير عن كل أحلامها بالرسم، وكذلك روايتها "ظل أخي" التي عرضت من خلالها عمق العلاقات بين شقيقين ووقوف أحدهما إلى جانب الآخر في كل الأحوال.
الخيال كان وسيلة أخرى انتهجتها الأديبة الدين لمخاطبة شريحة أخرى من الأطفال، فها هي رواية "مدرسة الحيوانات" تعرض قيما تعليمية هامة على لسان الحيوانات التي يعشقها الكثير من الأطفال، قبل أن تأتي رواية "الأسوار البيضاء" لتحكي عن أطفال يتجمعون ليعرضوا أشياءا تسبب رعبهم مثل الكلب والظلام والاختلاط بالآخرين، ثم يقرر هؤلاء الأطفال أن يعبروا أسوار خوفهم ويواجهون كل ما يخشونه بقوة من أجل التغلب عليه، "الرواية ده سببت لي معاناة شديدة جدا عشان أخليها تنتشر والناس كلها تقراها، ولفيت بيها على معظم النقاد المهتمين بكتابات الأطفال، غير إنها أخدت وقت طويل ومجهود كبير جدا عشان تشوف النور".
المشكلة الحقيقية التي تواجه "أدب الطفل" تتمثل في عدم اهتمام الكثير من أصحاب دور النشر بما يتم تقديمه للأطفال واعتباره شيءا ثانويا، "أي صاحب دار نشر ما بيسعاش لكاتب أطفال غير لما يطلع عينه واسمه يسمع برّة مصر، لكن محدش بيمد إيده ليهم في بداياتهم".
كتّاب الأطفال الحاليين عليهم مسئولية كبيرة في إعادة الطفل للقراءة مرة أخرى، وفقا للأديبة الأربعينية، من خلال التوقف عن معاملة الطفل على أنه كائن ساذج يسهل تصديقه لأي شيء دون تحكيم عقله فيه، غير أن الحل الحقيقي في يد الدولة التي يجب أن تتدخل لإنقاذ أدب الطفل، "الرواية اللي بتتعمل للأطفال محتاجة تتمول كويس عشان تخرج بشكل سليم، فيه كاتب ورسّام بيبذلوا مجهود كبير جدا لازم يتقدروا عليه".
حكاية الكاتبة إيمان منير مع قصص الأطفال كان مبعثها الغيرة على ما يتم تقديمه لهم في مجتمعات تعرف جيدا ما تعطيه لأبنائها، فالأفلام الضخمة التي تنتجها العديد من الشركات العالمية للأطفال بميزانيات مهولة جعلتها تستغل دراستها بمعهد السينما لتتصدر في مشهد مخاطبة أطفال بلادها، "من أول لحظة كنت عايزة أغير شكل الحاجات اللي بتتعمل للطفل، وكانت بدايتي مع سيناريو لمسلسل تحريك عرايس اسمه الكرافيس، عرضت فيه نبات الكرافس على إنه بشر بس بصفة النبات ده عشان الأطفال يتعرفوا عليه".
أفلام الكارتون وـ"الأناميشن"، لم تكن كل ما قدمته الأديبة الثلاثينية للأطفال، غير أن رواياتها تميزت بنوع من الرمزية يسهل على الأطفال فهمه، فها هي قصتة بعنوان: "جهاز عدم التفكير" تحكي عن مدينة توقف كل من فيها عن التفكير فيما حولهم ليتحولوا إلى آلات لا تقوى على أي شيء، قبل أن تأتي رواية أخرى بعنوان: "الصبح في بلاد القبح" لتبين للأطفال ضرورة مقاومتهم لأي شيء خاطئ وتغييره مهما كانت معاناتهم في سبيل ذلك.
التجربة الأفضل في حياة الأديبة إيمان منير كانت مشاركتها في تأليف مسلسل "عالم سمسم"، الذي تم عرضه للأطفال أواخر التسعينيات، من خلال كتابتها لرسائل وحكم بسيطة يتم بلورتها لشكل تمثيلي يؤديه أشخاص العمل المعروفة، غير أن فرحتها لم تكتمل بعد توقف إنتاج ذلك العمل، "ابتدينا المسلسل مع فريق عمل أمريكي كان بيوفر كل حاجة نطلبها، ولما الفريق ده انسحب وحل محله شركة مصريةلكن كل حاجة إتغيرت بعد ما الفريق ده انسحب وحل محله شركة مصرية مكانش عندها أي نظام ولا حماس إن العمل يكمل".
عوامل عديدة أدت لتراجع "أدب الطفل" وفقا للأديبة الثلاثينية، أولها عدم وجود أسماء كبيرة تحترم عقل الطفل وبث معلومات جديدة له ، ناهيك عن عدم وجود شركات مصرية متخصصة في إنتاج أفلام الأطفال أو تصدي الدولة لمسألة تثقيف الأطفال سواء في مناهج التعليم أو القراءات الحرة، "في كتب باخاف على ولادي يقروها عشان تأثيرها السلبي على عقولهم، وطول ماحنا مش واخدين بالنا من ده هايفضل كتاب الطفل يعاني ومحدش هاينقذه".