توقفت كثيراً عند تصريحات مرشح الرئاسة الفرنسى «فرانسوا فيون» الذى يحتل مركزاً متقدماً بين المتنافسين على الرئاسة وينتمى لليمين السياسى فى فرنسا.. تلك التصريحات التى تحدث فيها عن ضرورة مواجهة الإسلام المتطرف الراديكالى ومحاربته فى فرنسا، ومواجهة الفكر الممول له فى كل من قطر والسعودية، متسائلاً عن التناقض فى موقف حكومة بلاده فرنسا التى تفتح أبوابها للإخوان المسلمين وتستقبلهم بالود بينما مصر التى نشأت فيها الجماعة قد أعلنتهم جماعة إرهابية؟!
وبعيداً عن الترحيب الهائل بكلمات «فيون» التى رآها البعض خطوة جديدة فى مواجهة الإخوان ومحاربتهم بعد تصريحات الرئيس الأمريكى المنتخب «ترامب» الذى أعلن نيته تصنيفهم كجماعة إرهابية، فإنه لزاماً علينا التوقف للحظات لفهم السياق الذى يفرضه واقع صعود اليمين السياسى فى الغرب بصفة عامة وهو شأن تم الترتيب له منذ سنوات وليس وليد الصدفة لإحلال التغيير فى سياسات أوروبا والغرب، تمهيداً لتغيير آخر تسيطر فيه أفكار الصهيونية العالمية. فمرشح الرئاسة الفرنسية كغيره من سياسيى أوروبا لا يتهم المسلمين بالتطرف ولكنه يتهم الإسلام بفعل التطرف وفكره. وهو ما يتفق مع فكره الذى عبر عنه بكتاب نشره منذ عدة أشهر وحمل اسم «الشمولية الإسلامية» هاجم فيه الإسلام وحذر من خطورته على القيم المسيحية ودعا لمواجهته. ولكنه فى كلمته الأخيرة اتهم بلاده بدعم تيارات التطرف المنسوبة للإسلام واستقبالها على الأرض الفرنسية. وهى ذات السياسة التى تتبعها كل دول أوروبا والولايات المتحدة بدعوى حرية الرأى والتعبير. والحقيقة أن «فيون» لم يأتِ بجديد فى طرحه. فتصاعد الخوف العالمى من التيارات المتأسلمة المتاجرة بالدين والعاملة بالسياسة هو نتاج سياسات الغرب الداعم للتطرف لخدمة سياساته، وحدث مع الإخوان والسلفيين والوهابيين وما أفرزتهم تلك الجماعات من تنظيمات مسلحة كـ«داعش» و«القاعدة»، والنتيجة تصاعد أصوات اليمين المندد بالإسلام لتكون المواجهة بين الأديان لا بين السياسات.
الأزمة النقاشية حول ما طرحه «فيون» لا تقتصر على فرنسا أو أوروبا ولكنها تمتد إلى واشنطن التى عرض بها فى مطلع نوفمبر الحالى مقطع لجلسة استماع أجراها مجلس الشيوخ الأمريكى طرح فيها التساؤلات على كل من «مايكل موريل» نائب رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق، و«روبرت فورد» السفير السابق لأمريكا فى سوريا والذى لعب دوراً مرعباً فى دعم الجماعات المسلحة العاملة على إحراق سوريا على مدار السنوات الخمس الماضية، ودارت الجلسة حول علاقة «الوهابية» المدعومة من السعودية بالتطرف الذى تحاربه أمريكا فى شخص «داعش». وهى جلسة لا تعبر فى أحسن الظن إلا عن سوء فهم لخلطها كثيراً من الأوراق إلى حد استخدام تعبير أن الوهابية فرع من الإسلام المتشدد وكأن للإسلام فروعاً! بل استخدم المصطلح كما لو كانت الوهابية ديناً؟! وكيف أن واشنطن لن تستطيع هزيمة داعش من دون مواجهة الدعم السعودى للوهابية أو مواجهة الوهابية ذاتها التى هى فرع من الإسلام. وتلك هى النقطة التى استوقفتنى لأننا لن نجد أنفسنا مدافعين عن خطأ الفكرة وحسب، بل فى مواجهة معتقدات متطرفة فى المنطقة وفى الغرب على حد سواء.
ولذا يطرح السؤال نفسه متى ندرك أننا فى أزمة فكر تصيب مجتمعاتنا بالفقر المادى والمعنوى بإصرارنا على الصمت عن تجديد فكر دينى أصابه الجمود واستغله أعداؤه داخل وخارج المنطقة؟ لا أعرف من الإسلام سوى الإسلام الذى أنزله ربى عبر رسله لتوحيد الخالق عبر إسلام القلب لله ليتطابق الفعل مع الإيمان. لا أعرف معنى سلفى وشيعى ووهابى ولا أؤمن بصراع الأديان المقبل علينا تحت دعاوى الساسة، فالإسلام دين تراكمى جاء به الأنبياء وكان خاتمهم محمد بن عبدالله (صلوات ربى عليه)، هو من أخبرنا بأنه حجر فى بناء أسس له من سبقوه من الرسل. ولذا كانت آخر آيات القرآن إعلاناً لإتمام الدين بقيم وتعاليم ومبادئ تسمو بالإنسان وخلقه وعلاقته بربه وبالناس.. فهل ندرك ما نحن مقبلون عليه؟