الفصل الأحدث فى الأزمة السورية، أن الاتحاد الأوروبى عرض تقديم مساعدة مالية كبيرة لحكومة سوريا ورئيسها «بشار الأسد»، فى محاولة أخيرة مستميتة للحفاظ على النفوذ الغربى فيما يخص نتيجة الحرب والاقتتال الداخلى، حيث بدا أن كبار المسئولين فى الاتحاد قد اعترفوا مع اقتراب ذروة معركة حلب، بأن المطالب التى طرحتها الدول الغربية بشأن تنحية «الأسد» عن السلطة فى سوريا غير واقعية. كما لوحظ فى نفس الآونة تنامى شعور بداخل الدول النافذة بالاتحاد ضرورة بقاء الولايات المتحدة بالنظر إلى مشهدها الرئاسى الجديد على هامش العملية التفاوضية بشأن سوريا فى إطار الشراكة الغربية.
لذلك جاء عرض مفوضة السياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى «فيديريكا موجيرينى»، كبديل عن الإصرار على رحيل الأسد، بتقديم حزمة اقتراحات جديدة لزعماء فصائل المعارضة السورية خلال الاجتماع معهم فى مقر الاتحاد، تتضمن تقديم محفظة مساعدات مالية كوسيلة لإرضاء جميع الأطراف، باعتبار توافق هذه الاقتراحات مع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولى الداعية إلى تنفيذ عملية «انتقال سياسى» فى سوريا، بالطبع لم يكن الأمر يقتصر على مجرد عرض مالى إنما جاء الاجتماع بشأن مبادرة أوروبية، ما أرادت «موجيرينى» فعله هو عرض ملامح لخطة وضعها الاتحاد الأوروبى، وزعمت أنها من الممكن أن تعد وسيلة لحل النزاع طالما سيكون هناك توافق على فترة انتقالية، ربما من الممكن تفهم الدوافع والإرادة الأوروبية لكن التفاصيل «وهى الجحيم بعينه» فى المأساة السورية تظل غامضة بشكل كبير. أطرف ما جاء على لسان أحد حضور هذا الاجتماع تعليقاً على إمكانية الوصول هذه المرة لنقطة منتصف، قوله: سيكون هناك «كيس أموال ضخم» فى حال وافقت كافة الأطراف (نظام/ معارضة/ تنظيمات مسلحة) على الالتزام بالخطة وقيام الجميع بما يريده الاتحاد الأوروبى.
مما يمكن تلمسه مخترقاً ستائر الغموض المفروض قسراً حتى على بعض ممن حضروا الاجتماع، أن المقترحات الأوروبية تشمل عملية خاصة بإعادة توزيع السلطة فى المحافظات السورية، بهدف تمكين «المجموعات المسلحة» التابعة للمعارضة المسماة بـ«المعتدلة» من الاندماج بقوات الأمن المحلية، وتقضى الخطة بالانتقال إلى مفهوم تبنى الحفاظ على المؤسسات الحكومية المركزية للدولة، لكن مع اقترانه بنقطتين يظلان هما الأكثر غموضاً بأن تبقى تلك المؤسسات «تحت السيطرة الأكثر ديمقراطية» مما كان عليه الوضع قبلاً، والثانية وهى التى طلب من الحضور استيعابها مؤقتاً «دون التطرق لمصير الرئيس بشار الأسد»!. بالبحث عن الجديد فيما تم طرحه أوروبياً، تظل السطور المحدودة تحتاج إلى شروحات مطولة عن إمكانيات التنفيذ، وتلك التفاصيل هى ما يمكن أن تأتى بالجديد المنتظر، ولذلك وقف أو «ذهب» المعلقون للحديث عن رشوة مالية تقدم لطرف أو لآخر لتمرير تلك الخطة الأوروبية، والأمر حول هذه النقطة أشمل من ذلك، على الأقل من وجهة النظر الأوروبية التى اعتبرتها أول استعداد مالى جدى لتحمل كلفة العبور لمحطة الإعمار والترميم السياسى. حديث الدوافع والإرادات التى يمكن ربطها بالمبادئ الأساسية التى تقوم عليها مبادرة الاتحاد الأوروبى، يمكن أن نستند فيها على ما أكده دبلوماسيون أوروبيون وجدوا بالقرب من تلك الاجتماعات، ومن هذه الأطروحة. حيث ذكرت تفسيرات موضحة أن زعماء أوروبا يدخلون اليوم بجدية صفحة جديدة غيروا فيها مواقفهم من سبل حل الأزمة السورية، بسبب مخاوفهم من أنها «الأزمة» بدأت تدمر تدريجياً الهيكل السياسى فى المنطقة «أوروبا»، لاسيما بالنظر إليها على خلفية تعزيز أزمة اللاجئين لـ«الفوضى الانتخابية» فى كافة أنحاء القارة العجوز، واعتبر قادة الاتحاد الأوروبى فى هذه الظروف، أن إعادة إعمار سوريا مهما كان بقاء بشار الأسد فى السلطة مزعجاً بالنسبة لهم، تشكل وسيلة وحيدة لوقف تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا، وتمت الإشارة إلى أن كافة الأجهزة الاستخباراتية والأمنية للدول الرئيسية بالاتحاد قدمت طوال العامين الماضيين تقارير متنوعة لقياداتها السياسية، تجاوزت مرحلة التململ ووصلت إلى حد الضجيج من التهديدات الأمنية المتوقعة جراء ظاهرة اللاجئين على أراضى تلك الدول، والتهديد المذكور ينقسم لشقين؛ إرهابى فى المقام الأول واحتقان مجتمعى يستدعى اعتداءات متبادلة ما بين المواطنين واللاجئين فى شقه الثانى. ويبقى الهاجس الأخير الذى ساهم فى تدافع الاتحاد الأوروبى الأحدث تجاه الأزمة، أن غلق الأبواب فى وجه تركيا لن يعقبه مغادرة أردوغانية صاغرة، بل سيستتبعها مؤكداً لملمة خيوط الحل والعقد لإلقائها فى يد موسكو لتحظى بالمزيد من قدرات الحسم، فالحديث التركى سابقاً لم يقتصر على ورقة أمواج اللاجئين المتدفقة لدول الاتحاد، بل شمل فى لقاءاته مع ألمانيا ضرورة الانتباه إلى ميزة وجود القوات التركية على الأرض السورية، وهى مرجعية أساسية وقت ترتيب ما يمكن اعتباره محطة للحسم.
وعن هذا الهاجس الأوروبى الأخير الذى ثبت أنه فى محله، كانت هناك على الجانب الآخر مائدة أخرى تبحث عن صفقات مضادة، فعقب تصريح أردوغان عن أن مهمة قواته العسكرية فى سوريا الإطاحة بالأسد، طار «لافاروف» إلى أنقرة سريعاً بعد 48 ساعة، سبقه تنصل روسى عن مسئولية قصف الجيش التركى بسوريا وقتل أربعة من العسكريين الأتراك، وهناك فى أكثر الزيارات غموضاً وسرية من حيث ملفات وموضوعات التناول المزدوج، بدأ البحث عن إمكانية الإمساك معاً بأطراف الخيوط، استثماراً للمشهد الدولى الجديد، والأهم كونهما من يمتلكان اليوم حصرياً القوة والنيران فى الداخل السورى.
ربما تطرق الحديث لأسماء البلدات والريف وخطوط التماس، إنما الأكيد أن على كلتا المائدتين جاءت كلمة سوريا كثيراً، فى الوقت الذى لم يأت ذكر السوريين بكلمة.