الطفل فى المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان
الطفل فى المغارة وأمه مريم وجهان يبكيان
قبل أن تدق الساعة العاشرة من صباح أمس بـ3 دقائق كاملة.. توقفت ساعة موجودة فى قلب الكنيسة البطرسية فى العباسية.. توقفت الساعة بـ«عقاربها» معلنة بدقة موعد التفجير الذى هز الكنيسة. ليست عقارب الساعة فقط التى توقفت.. بل توقفت معها دقات قلوب ونبضات قرابة 25 شهيداً بين طفل وسيدة ورجل.
ليست عقارب الساعة فقط التى توقفت.. توقفت معها أجراس الكنيسة التى كانت تستقبل فى قاعتها الرئيسية عشرات المصلين فى قداس الأحد الأسبوعى.. القداس الذى يسمونه «قداس كيهك».. وفيه تتجمع الأسر وتذهب جماعات إلى الكنيسة خاصة مع قرب الاحتفال بعيد الميلاد المجيد.
وفى اللحظة التى توقفت فيها عقارب الساعة وأجراس الكنيسة انطلق صوت ضخم هز أركان المكان وهز البنايات المجاورة.. وشعر به الجميع.. ومعه علت الصرخات من بعض الناجين داخل قاعة الصلاة.. من بعض المصابين.. حتى إن بعض الضحايا أطلقوا صرخة «مكتومة».. صرخة ما قبل الرحيل.. ربما صرخوا من الألم.. صرخوا من «لسعة نار التفجير».. صرخوا وصمتوا جميعاً وسلّموا أرواحهم لـخالقها. فى التوقيت نفسه.. حدثت حالة من الهرج داخل وخارج الكنيسة وفى الكاتدرائية وهى الملاصقة للكنيسة.. ولا يفصلها سوى سور عالٍ وبعض الأبواب التى تفتح أبوابها أحياناً بين المكانين.. بلاغات واتصالات هاتفية هدفها واحد فقط.. نجدة القاهرة وإسعاف القاهرة قبل أن يصعد الأمر بسرعة شديدة إلى خبراء المفرقعات وقيادات الأمن والصحة.. ويتحرك الجميع.. أول من وصل هم خبراء المفرقعات وبعدهم وصل ضباط المباحث ووصلت سيارات الإسعاف التى تحركت ووصلت بعد أن بدأت سيارات الإسعاف بالكنيسة تتحرك بالمصابين لأقرب مستشفى. هناك فى مكان ضيق.. يقف المصلون يتركون الأمر.. يسلمون أنفسهم لـرب العالمين.. يرتلون آيات من الإنجيل.. يتمتمون بدعوات.. الصمت والترديد وراء «الأب» هو الذى يكون مسيطراً على المشهد.. وسط هذه الأجواء.. كانت عبوة ناسفة موجودة وحاضرة بقوة وسط هذا الحشد.. وتم التفجير.. التقديرات والتحريات والمعاينة تقول إن العبوة كانت داخل حقيبة وتركت بين صفوف السيدات فى المكان المخصص لهن فى يمين القاعة.. نفس التحريات والتقديرات تشير إلى احتمالية أخرى وهو أن التفجير بواسطة انتحارى أو انتحارية تسلل بهدوء وسط المصلين ودخل.. والأرجح أنها سيدة لأن السيدات لا يخضعن لتفتيش محكم من قبل رجال الأمن. ليست الأزمة فى ترك عبوة.. أو أن انتحارية أو انتحارياً فجر نفسه.. الأزمة فى كيفية الدخول.. وعمليات التفتيش التى تمت من قبل أفراد الأمن للمصلين.. وهل كان الأمر عشوائياً.. هل كان «حسن النية» حاضراً، ويقول فرد الأمن لـنفسه: «دول بتوع صلاة مش بتوع تفجير!!».. التفتيش وحسب المعلومات مختلف تماماً عما يحدث فى المطارات.. ففى الأخيرة يكون التفتيش على أعلى المستويات.. أين كانت الأجهزة الإلكترونية التى تكشف المفرقعات.. أين الكلاب البوليسية.. علامات الاستفهام هذه وضعتها قيادات الأمن.. وستجيب عنها.. وستجيب عنها أيضاً تحقيقات النيابة العامة بإشراف المستشار نبيل صادق. وبعيداً عن الأسئلة والإجابات المنتظرة أو المتوقعة.. ستقول «الكاميرات» كلمتها.. ويبقى أن الدماء سالت.. وأغرقت مكاناً للصلاة.. يبقى أن أطفالاً وشباباً ورجالاً وسيدات دفعوا حياتهم ثمناً لإرهاب يجب أن يواجَه بقوة.. إرهاب لا يفرق بين مكان للصلاة.. أو شارع أو مقر أمنى.. تدور الأسئلة وتزيد.. وتبقى الحقيقة واحدة فى حادث أمس.. الحقيقة أن الدماء وصلت واستقرت فى «حضرة المسيح والعذراء».