«الهيصة» فى مصر هى حالة تتضمن التدليس والتعميم والتنميط والنفاق المجتمعى وتملق الدهماء والتطرف الفكرى وخلط الأوراق واختلاق القصص والقطع من السياق وتماهى الجزء مع الكل وغياب العلاقة المشروعة بين السبب والنتيجة، مثل «هيصة» بعض المحامين فى قضايا عبثية للشهرة، أو هيصة بعض المواطنين ضد أفراد طبقات أعلى (حقد على الأغنياء) أو طبقات أقل (احتقار الفقراء)، أو هيصة الجميع دفاعاً عن الدين (امسك ازدراء أديان) أو عن الذوق العام (امسك تصريح مسىء).. فيما يلى ثلاث «هيصات» آخر موديل، لثلاثة نماذج تعانى من حالة رفض من بعض قطاعات المجتمع:
- لم أتورط فى كتابة سطر واحد فى حق المهندس «صلاح دياب» وقت محنته الشهيرة، لأن فى هذا شبهة لا أحب أن تلتصق بى؛ إذ كنت كاتباً فى الجريدة المملوكة له.. ومنذ تسعة أشهر انقطعت علاقتى المهنية بالرجل، واختفى معها خيط العلاقة الإنسانية الباهتة بالأساس (خلال سنوات لم أقابله أبداً، وهاتفته ثلاث مرات فقط). تعرض «صلاح دياب» لحملة هوجاء الأيام الماضية لأنه تجرأ وأقام فرح ابنته فى دولة أوروبية مما تكلف مبالغ مالية كبيرة، وكأن فرح الأب المقتدر بابنته لا بد أن يكون مشروطاً بالمستوى المادى للأغلبية.. البعض تعامل مع الموقف على طريقة «لا عزاء للغلابة»، بينما المأثور الشعبى يقول «اللى معاه قرش محيره يجيب حمام ويطيره»، و«اللى يعوزه البيت يحرم ع الجامع»، ولكل شخص تحديد ما يريده وما يعوزه طبقاً لمعاييره هو وحده. فطالما أنه لا مشكلة موثقة فى مصدر الأموال أو فى مشروعية العمل أو فى التعاملات الضريبية، التى هى حق الدولة، فلا شأن لأحد فى نمط التبذير المعلن (مثل أفعال الرفاهية)، أو الخفى (مثل أعمال الخير). أما أى مشاكل أخرى أو أخطاء ارتكبها شخص أو أحد أقربائه فلا علاقة لها بنمط إنفاقه لأمواله الخاصة.. بالمناسبة؛ العدالة الاجتماعية ليست هى توزيع الفقر (هذا نمط انتحارى)، أو سلب الأغنياء ممتلكاتهم (هذه عملية سطو).. سامح الله من شوه عقول الناس وأفهمهم أن توزيع الثروات يكون بالتساوى وليس بالتكافؤ.
- لميس الحديدى، واحدة من أفضل مذيعات الوطن العربى، وفكرة طردها من محيط الكنيسة البطرسية يوم الحادث الإرهابى الأسبوع الماضى، لا مبرر لها، سواء كانت زيارتها إنسانية أو مهنية.. كنت يومها حاضراً داخل الكنيسة من الحادية عشرة صباحاً وحتى الخامسة مساء. الجو كان مشحوناً ضد الدولة ومن يرى الجمهور أنهم يمثلونها فى الإعلام، نمط رفض لا يعى بالسياق الشخصى لكل إعلامى.. فى التجمعات الجماهيرية الكبرى يصبح العقل الجمعى أحمق غير مميز لأبسط قواعد المنطق.. على المحترمة لميس الحديدى أن تزين بحضورها قداس عيد الميلاد فى يناير المقبل وسيرحب بها الجميع، بكل تأكيد.
- ينص الإعلان العالمى لحقوق الإنسان على أنه: «لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة».. فحرية تنقل الفرد لا يجوز تقييدها إلا بقانون؛ فمنطقياً لا قيمة لمعظم الحقوق إذا مُنع عن الشخص حقه فى التنقل! ودينياً: «هو الذّى جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا فى مناكبها». وقانوناً، قالت المحكمة الدستورية العليا المصرية منذ سنوات إن: «حرية التنقل من العناصر الأساسية التى تركز عليها الحريات الشخصية الأساسية الأخرى»، والقضاء الإدارى، ممثلاً فى مجلس الدولة، أقر بأن «حق التنقل هو فرع من الحرية الشخصية للفرد ولا يجوز مصادرته بغير علة ولا مناهضته دون مسوغ أو تقييده بلا مقتضى».. وبناءً على ما سبق، فإن علاء مبارك وأخاه جمال مواطنان مصريان لا يجب أن يُصاب أحد بالأرتكاريا كلما ظهرا فى مكان عام.. دعوا الحياة تمضى ودولة القانون تسود، والحكم فى النهاية للناس وللتاريخ.