علماء اللغة: الصحافة ساعدت "العربية" على التخلص من "التتريك"
الدكتور أحمد درويش - أستاذ الأدب المقارن
نزل القرآن الكريم فجمع العرب على لغة واحدة، وكتاب واحد، فتوحدت لهجاتهم، لكن الأمر لم يتوقف هنا، فعلى مدار التاريخ، ظهر علماء وشعراء وكتاب أثروا اللغة، وخلفوا لنا إرثا لغويا ينطق به ملايين البشر، بداية من أبي الأسود الدؤلي، الذي عرف بفصاحته، بل – بحسب إجماع المؤرخون واللغويون - كان أول من وضع علم النحو، مرورا بـ"الخليل بن أحمد الفراهيدي، الجاحظ، الأصمعي، سيبويه، وابن جني"، وغيرهم، حتى العصر الحديث.
ويقول الدكتور أحمد درويش أستاذ النقد والأدب المقارن بكلية دار العلوم، إن اللغة العربية مرت بمراحل من التطور في العصر الحديث، مؤكدا دور الصحافة في إثراء اللغة بدايات القرن العشرين، التي استخدمت جمل بسيطة وسريعة لتسحين المفردات، واصطلاح تركيبات فصيحة، أدت إلى التخلص من بقايا تأثير التركية على اللغة العربية، الذي استمر حتى آواخر القرن التاسع عشر، ثم بدأ الأدب العربي في القرن العشرين في شكل القصة القصيرة والرواية، ما ساعد على إدخال مفردات جديدة تتسم بصحة التراكيب اللغوية، على يد كتاب وشعراء، أبرزهم "محمود سامي البارودي، أحمد شوقي، هيكل، طه حسين، عباس محمود العقاد، المنفلوطي، والرافعي"، وغيرهم. فجميع هؤلاء انعشوا اللغة الفصيحة للتخلص من بقايا مشكلات "التتريك" في القرن التاسع عشر.
ولفت درويش، في حديثه لـ"الوطن"، إلى فترة الستينيات بشكل خاص، التي شهدت نهوضا شاملا في الثقافة والفكر، نتج عنه الكثير من الأشكال الأدبية الجديدة، حيث انتعشت الرواية على يد نجيب محفوظ، والمسرح بكتابات توفيق الحكيم، كما ساهم المسرح الشعري لصلاح عبدالصبور في إثراء اللغة، والقصة القصيرة ليوسف إدريس، حيث لعبوا دورا محوريا في نهضة اللغة العربية، وإدخال مفردات عربية جديدة فصيحة للغة.
وعن عصرنا الحالي، يقول درويش، إن "هناك بذور طيبة من شعراء الاتجاه الجديد، الذين عادوا إلى الشكل الموسيقي، بداية من جيل أحمد بخيت، إيهاب البشبيشي، وعلي عمران، الذين أخرجوا لنا تركيبات واصطلاحات جيدة"، مشيرا إلى الكتابة العلمية لمحمد المجشنجي، الذي يكتب لغة عربية علمية بلغة فصحى، أدت لظهور مصطلحات علمية بالعربية.
الدكتور تامر فايز مدرس اللغة العربية لغير الناطقين بها وعضو هيئة التدريس في كلية الآداب بجامعة القاهرة، يقول إن الفضل يعود لجيل الستينيات، الذي قدم الأشكال الأدبية الجديدة، مثل الرواية والمسرح والقصة، حيث قدموا اللغة العربية بشكل يسهل على القارئ هضمه واستيعابه، بعربية بسيطة لا تتبع الفصحى التراثية، ولا العاميات.
ولفت فايز، في حديثه لـ"الوطن"، إلى مسرحيات توفيق الحكيم، قائلا إن "لغته لا تنتمي للعامية، والأعجمية، حيث تقع في منطقة وسط بين لغة المثقفين واللغة العربية، وأيضا يوسف إدريس كان في المنطقة الوسطى ذاتها، وصولا لنجيب محفوظ، الذي كتب رواياته في مستوى لغوي يدفع القارئ إلى تأمل هذه اللغة، التي تربط بين الفصحى والعامية، وهو ما سهل تلقيها، وتحويلها إلى أعمال سينمائية حققت نسبة كبيرة من المشاهدة".
على جانب آخر، قال فايز إن الكتابات الحديثة تعاني حالة من التذبذب الواضح، حيث يعوّل فيها على إمكانيات كل كاتب، لكن السياق العام يشير إلى دخول العديد من الألفاظ والاصطلاحات الجديدة إلى مجال التأليف الأدبي، وهو ما لم يكن معهودا في السابق، ويدل على مرونة اللغة العربية، وتقبلها لبعض الاشتقاقات التي قد تبتعد أحيانا عن الاشتقاقات الفصحى للغة وتقترب منها في آحايين أخرى.
وأكد فايز، ضرورة صياغة مجموعة من المعاجم والقواميس، لتضم هذه الاشتقاقات الجديدة، والمصطلحات المتنوعة، التي أصبحت جزأ لا يتجزأ من اللسان العربي.