الإهمال.. «كابلات وبالوعات ومزلقانات» تحصد الأرواح وحرائق ضخمة بسبب ماس كهربائى.. والتكرار «لا يعلم المصريين»
الإهمال وصل إلى التلاعب بقطع غيار السيارات ما يتسبب فى العديد من حوادث الطرق
صور عديدة من الإهمال تهدد حياة المواطنين، لا تعدو كونها أكثر من ثغرات خفية لا يلتفت إليها أحد إلا بعد أن تقع «الفاس فى الراس»، ثغرة على طريق غير ممهد أو مزلقان مفتوح تودى بحياة أبرياء، وأخرى فى عمود إنارة تخرج منه كابلات كهرباء مكشوفة تصعق أحد المارة، وثالثة عبر بالوعة مفتوحة تنتظر عابر سبيل غير منتبه، ورابعة من خلال ماس كهربائى تسبب فى حريق أو حتى «عقب سيجارة»، ثغرات عديدة تقف وراء عشرات الحوادث والمصائب اليومية، سببها الوحيد هو الإهمال.
«إسلام» اشترى «تيل فرامل مضروب».. و«الحاج عبدالله» شاهد على واقعة صعق جديدة لأحد أطفال بولاق الدكرور
«كنا هنروح فى ستين داهية» يسترجع إسلام إبراهيم، الحادثة التى تعرض لها قبل 3 أشهر فقط، وتسببت فى كسور وجروح بأطرافه الأربعة بعد أن نجا من الموت بأعجوبة بسبب مشكلة فى «تيل الفرامل» الذى قام بتركيبه بإحدى الورش: «ماعداش شهر واحد والعمر الافتراضى انتهى، يعنى تيل الفرامل كان مضروب، كنت بالعربية على الطريق ومعايا زوجتى وابنى ومالقتش فرامل وعملنا حادثة صعبة»، الجروح التى أصابت أفراد أسرته كانت بسيطة، مقارنة بالإصابات التى تعرض لها، ومكث على أثرها بالمستشفى لأكثر من أسبوعين: «طبعاً ده غش، عرفت إنى اشتريت تيل فرامل مستعمل وأنا دافع فلوس لواحد جديد، علشان الراجل يكسب كان هيضيع حياة أسرة كاملة بشىء تافه وبسيط»، حوادث عديدة على الطريق شاهدها وكادت أن تودى بحياة الرجل الأربعينى أحياناً، فعمله فى إحدى شركات التكرير بمدينة العين السخنة، وإقامته بحى شبرا بالقاهرة، تفرض عليه قطع مسافة طويلة بصورة شبه يومية، وخلال 4 سنوات مضت مر بتجارب كثيرة: «مرة تريلا فقدت توازنها على الطريق بسبب حفرة بسيطة جنب الرصيف، خدت فى سكتها 3 عربيات ملاكى، كانت حادثة كبيرة وربنا ستر، كنت جاى وراهم وقدرت أهدى السرعة وألحق نفسى»، فى أغلب الحوادث يكون السبب شيئاً صغيراً جداً، قد لا يلحظه أحد، لكنه فى نهاية الأمر يكون بمثابة «ثغرة» يمر منها الموت إلى أرواح مواطنين أبرياء.
مشهد الطرق، الذى تحاول الدولة مؤخراً التغلب عليه من خلال شبكة جديدة وحديثة، إلى جانب ترميم وتطوير الطرق والكبارى القائمة، جزء من مشهد آخر كبير فى أكثر من قطاع تضربه الثغرات التى تهدد حياة المواطنين وأمنهم، من بينها قطاع الصحة الذى يكتظ بالعديد من المشكلات والأزمات يواجهها المواطنون كل يوم.. «بنتى دخلت المستشفى بكدمات فى رجلها، طلبوا وضع جبيرة على رجلها وفكها بعد 15 يوم، لكن بعد 4 أيام فقط فوجئنا بتورم الرجل وفكينا الجبيرة لقينا صديد وغرغرينا»، واقعة بسيطة تعرضت لها الطفلة «مريم» بعد أن سقطت من فوق سرير نومها بالخطأ على قدمها اليسرى، لكن الأمر تفاقم بالجبيرة الخطأ التى أجرتها بمستشفى المحلة الكبرى وهددت مستقبل الطفلة فى الحركة، يقول والدها علاء نبيل: «إهمال عيشنا كلنا فى حزن وألم وحالة محدش يدرى بيها إلا ربنا»، السبب وراء الواقعة شبح الإهمال الذى يتكرر فى وقائع أخرى عديدة بتفاصيل مختلفة، يضيف الأب: «طبيب النابطشية وقتها طلب من إحدى العاملات تعمل الجبيرة لبنتى، باعتبار العاملة دى خبرة فى الموضوع ومتعودة على كده، وكانت النتيجة هى كابوس عشناه كلنا، ودُخنا على الأطباء فى العيادات الخاصة والمستشفيات الحكومية علشان نعالج قدم بنتى».
أينما ذهب المواطن، ربما كانت فى انتظاره ثغرة من هذا الشكل تفتك بسلامته وحياته، سواء كان مسافراً على طريق أو مريضاً يتلقى علاجه بمستشفى أو حتى ماراً على الرصيف، فإذا لم يأخذ حذره قد يصطاده كابل كهرباء مكشوف أو بالوعة صرف صحى بلا غطاء.. «الواد مات قدامنا، كان بيلعب ويضحك ويجرى زى باقى عيال الشارع، فجأة سمعنا صرخة وصوت شىء بيتخبط فى الحيطة جامد، جرينا لقيناه اتصعق بعد ما طاله كابل كهرباء كان خارج من صندوق التيار الكهربائى المكشوف»، يحكى «الحاج عبدالله»، حسبما يناديه أهل منطقته فى حى بولاق الدكرور، فالرجل الذى أتم عامه السبعين كان شاهداً على واقعة صعق أحد الأطفال لم يبلغ العاشرة من عمره، أثناء مشاركته فى اللعب مع أطفال فى مثل سنه أمام منزله: «متعودين الولاد يلعبوا ويجروا فى المكان كل يوم الصبح بالنهار، مايهدوش إلا مع دخول الليل، وقفلنا الصندوق كذا مرة لكن بيتفتح تانى، وفى اليوم ده كان مفتوح، وإسلام راح ضحية، الله يرحمه»، الرجل السبعينى بحكم وجوده باستمرار أمام محل البقالة الذى يمتلكه، كان أول الذين سارعوا باتجاه «إسلام» لكن محاولات أسرته وجيرانه لإنقاذه فى أقرب مستشفى تأمين صحى لم تنجح: «جرينا بيه وقتها، بعد أقل من تلت ساعة كنا فى المستشفى، لكن الكهربا اللى دخلت جسمه كانت قوية وكبيرة، على ما رُحنا هناك كان إسلام مابيتحركش، توفاه الله»، واقعة «إسلام» مثل وقائع أخرى شهيرة شهدتها مدن وأحياء مختلفة، لا سيما الشتاء الماضى، الذى شهد سيولاً وأمطاراً بعدد من المحافظات زادت من الخطورة التى تشكلها سواء كابلات أو بالوعات الموت، وأيضاً الحرائق التى تلتهم مبنى كبيراً بما يضم من بضائع أو أشخاص، فيما لا يعدو السبب أكثر من ماس كهربائى أو سيجارة بحسب عديد من التحقيقات التى جرى حفظها فى بعض الوقائع، أشهرها حرائق العتبة والموسكى والفجالة المتكررة، كما يوضح إبراهيم عبدالنبى، أحد تجار الأدوات المنزلية بمنطقة الموسكى، قائلاً: «بتقوم النار على أبسط حاجة، والمشكلة إن الحريق بيتكرر بسبب نفس الثغرة الموجودة، بضائع كتيرة متجمعة فى مكان محدود، ولا يوجد نظام يحمى من الحرائق أو يحذر منها، مرة ماس ومرة حد رمى سيجارة بدون قصد، ومرة أنبوبة الشاى، وفى الآخر لا فيه متهم رئيسى، ولا فيه حاجة بتتغير».