مواطنون: «عايزين منتج مصرى جودته عالية.. وسعره على قد إيدينا»
أحد العمال داخل مصنع الصناعات الثقيلة
«بكل فخر صنع فى مصر»، جملة مكتوبة على الزجاج الخارجى بأحد المحال بشارع جامعة الدول العربية، لاحظها أحد المارة، فدخل ليسأل العامل: «هى كل المنتجات مصرية فعلاً؟»، وعندما أكد له البائع أن جميع المنتجات المعروضة مصرية 100% قرر أن يخرج دون أن يشترى لعدم ثقته فى جودة المنتج المصرى، واقعة حدثت أمام بدور محمود ناصيف، ترويها متعجبة ومتسائلة «ليه فيه ناس ثقافتها كده؟ ومتربيين على عقدة الخواجة؟»، أما ثقافة «بدور» فهى البحث عن المنتج الأقل سعراً مقابل المنفعة المقبلة منه، بحيادية، ودون التأثر بما يسمى بـ«عقدة الخواجة»، ومن خلال تجربتها تقول: «ناس كتير فعلاً عندهم عقدة الخواجة، وفاكرين إنه عشان أجنبى يبقى أفضل، مع أنه فى أحيان كتير قوى مش بيبقى حقيقة، فى دبى مثلاً بقوا بيروحوا يشتروا شنط جلد طبيعى مش براندات طالما الجودة كويسة، لأن البراندات بقيت منتشرة جداً وتقليدها كمان سهل»، عن تجربة قد ترتدى «بدور» ملابس صناعة مصرية وتستغنى عن البراند الأجنبى، ليس فى حالة الملابس فقط، ولكن فى منتجات مختلفة جربتها بالفعل ووجدتها أفضل من المستورد، أو تساويه، مع الوضع فى الاعتبار أن هناك أموراً يجب أن تتغير فى بعض المنتجات: «جايز يكون فيه تجارب سيئة عند بعض الناس، للأسف بعض المحال الحكومية مفيش معاملة كويسة للعميل، نقطة تانية مش متدربين تسويق صح، مثلاً فيه شركة مصرية بتاعة ملابس كارينا، دخلت المحل لقيت الحاجة مش معروضة كويس، مش موجودة على الأرفف بطريقة سهل تلاقيها، ولازم تلجأ لحد يجيبلك مقاسك، عكس براند حاطط مقاسات وعارض بطريقة شيك، ومقاسات موجودة مع صورة المنتج عشان ما تضطرش تفتحه».
«بدور»: المواطن يسعى للمنتج المحلى و«نيرمين»: لا أثق فى «المصرى» خاصة الأدوية.. و«فادية»: «مستحضرات التجميل المصرية خلتنى أغير رأيى فى المنتج المحلى»
ليس على مستوى الملابس فقط، فالصناعات الغذائية المصرية متميزة: «زى مثلاً مربى وزارة الزراعة، ولا أروع منها، جربت كل أنواع المربى من المستورد والمصرى، ومفيش أحسن منها، مافيهاش جلوكوز، فاكهة طبيعية، هايلة، لكن مفيش توزيع، ولا ماركتينج، ولا انتشار، عندهم مشكلة شنيعة فى التسويق والتوزيع، يعنى مش متاح شراؤها غير فى الأكشاك اللى جنب نادى الصيد فى الدقى، طيب اللى ساكن بعيد يعمل إيه، يركب تاكسى بـ50 جنيه عشان يجيب مربى بـ20 جنيه؟»، هناك منتجات أجنبية لم تجد لها «بدور» بديلاً، منها بعض ماركات الأحذية، بالإضافة إلى بعض الملابس لا بديل لها، وغيرها: «المحلول الملحى اللى بيطلع من مياه البحر، اللى بيستخدم لالتهاب الجيوب الأنفية، أنا كلمت شركات مصرية عشان يعملوله بديل، ماحدش بيعبرنى، ده عبارة عن مياه بملح معقمة ممكن تتعمل فى البيت، هى الفكرة كلها فى البخاخ بتاعه، بقوة دفع معينة، التكنولوجيا كلها فى البخاخ مش المياه بملح، مفيش شركة عملته لحد دلوقتى وده كل دكاترة الجيوب الأنفية والأنف والأذن والحنجرة بيكتبوه، وبيتباع فى الصيدليات بـ75 جنيه، وهو مياه بملح أصلاً»، أما منتجات الطعام فتؤكد أن لها بدائل عدة، وأفضل من المستورد، بالإضافة إلى جودة المنظفات و«الميك أب»، جميعها يوجد لها بديل مصرى جيد، ولنشر المنتجات المصرية الجيدة، قامت «بدور» بعمل صفحة «صنع بفخر فى مصر» لمشاركة الناس أفكارهم وآراءهم، وتؤمن بضرورة تربية الأجيال المقبلة على ثقافة التجريب، وعدم الحكم على المنتج من ثمنه أو اسمه.
عدم ثقة المواطنين فى المنتج المصرى ثقافة منتشرة لدى البعض، منهم نيرمين حسن، التى أكدت أن أكثر المنتجات المصرية التى لا تثق فيها هى الدواء، خاصة أن معظم الأطباء ينصحون المرضى بالدواء المستورد، يقولون لها إن المستورد به مادة فعالة أقوى عكس المصرى، أما الأجهزة الكهربائية فتقول عنها: «مالقتش مصرى، وحتى لو لقيت صنع فى مصر بيبقى المقصود تجميع فى مصر أما قطع الغيار مستوردة، وبخصوص اللبس، فيه مصرى كويس بس سعره مقارب للمنتج الأجنبى يبقى الأجنبى أحسن».
«فاطمة»: لما سافرت أمريكا كنت بشترى ملابس قطنية وفوجئت بأنها تحمل شعار «صنع فى مصر».. و«سعيد»: «ملابسى كانت من إنتاج غزل المحلة ودلوقتى الإنتاج حالته بقت رديئة»
سعيد محمد، مواطن ستينى، يرى أن المنتج المصرى ينقصه الكثير حتى يرتقى لمستوى المنافسة مع المنتجات الأجنبية، فتجربته مع المنتج المصرى لم تكن جيدة: «طول حياتى كنت بجرب منتجات كتير محلية، زمان ودلوقتى، لكن الصناعة زمان مختلفة تماماً عن الوضع الحالى، زمان لما كنت شاب لبسى معظمه كان قطن من مصانع غزل المحلة، دلوقتى الإنتاج حالته بقت رديئة جداً»، أما المنتج المحلى الوحيد الذى يستعمله «سعيد» حالياً وموجود بمنزله هو السخان فقط، لا غير، ويقول عنه آمن جداً وجودته عالية.
أما فادية محمد، فكانت تثق فى المنتجات المصرية البديلة للمستوردة، وتؤمن بمقولة «اشترى المصرى»، ولكن اهتزت ثقتها فى المنتج المصرى، وتغيرت فكرتها بعض الشىء منذ فترة قريبة بسبب إحدى التجارب السيئة: «اشتريت منتج مصرى شهير فى أدوات التجميل، وحطيته على وشى وسبب لى مشاكل جلدية، وسألت بعض الأصدقاء نصحونى باستخدام منتج مستورد بديل له»، تقول «فادية» إن المنتج المستورد أغلى من المصرى، لكن جودته عالية، وكل ما تتمناه هو وجود منتج مصرى جودته عالية حتى لو كان سعره مرتفعاً.
محمد حسن، 40 عاماً، لا يثق فى معظم المنتجات المصرية، بسبب استرخاص بعض المصنعين وهو ما يأتى على حساب الجودة المقدمة فى النهاية: «منتجات كتير مصنوعة تحت بير السلم، وليّا تجربة مع شرائى مسحوق غسيل مصرى وللأسف كانت تجربة سيئة».
أمل عبدالله، ربة منزل فى الستينات من عمرها، وطوال حياتها تفضل استخدام بعض المنتجات المصرية ذات الجودة العالية، مثل بوتاجازات المصانع الحربية: «عن تجربة أحسن منتجات هى منتجات القوات المسلحة، تحفة وجودتها عالية جداً، أنا مجربة بوتاجاز المصانع الحربية زمان كان تحفة»، وتقول بعدها عن تجربتها بعد شراء بوتاجاز إيطالى: «جودة المصرى بتاع المصانع الحربية أحسن بمراحل».
أما عن القطن المصرى فقد فوجئت فاطمة يوسف بعد سفرها للولايات المتحدة الأمريكية وهى تشترى تى شرتات قطنية من أحد المولات هناك أنها صناعة مصرية، اندهشت من جودة المنتج التى تختلف عن جودة مثيله فى مصر: «تجربتى مختلفة إلى حد ما سافرت فى فترة أمريكا من 10 سنين وكنت بشترى ملابس قطنية بأحد المحلات كانت جودتها رهيبة لا أرى فى جودتها وخامة القطن مافكرتش وقت ما أنا بشترى أشوف صنعت فين بالظبط فوجئت إنها مصرى وكنت فخورة جداً بمستوى الإنتاج».
«ناوية أجهز بنتى من المصانع الحربية» جملة أطلقتها هدى نصر، بعد نجاح تجربتها مع أجهزة الإنتاج الحربى، فبعد نجاح تجربتها مع البوتاجاز والسخان والثلاجة قررت تكرار التجربة مع ابنتها، خاصة بعد سماعها عن عدم جودة بعض الأجهزة المستوردة وغلاء أسعارها: «البوتاجاز والسخان والتلاجة تقفيل المصانع موجودين عندى فى البيت لحد وقتنا هذا من أكتر من عشرين سنة والحمدلله جودتهم عالية جداً»، أما بسمة فؤاد فبعد غلاء الأسعار وجدت حلاً لها ولأولادها وهو الاتجاه لبعض المنتجات المصرية، على سبيل المثال وجدت فى بسكويت الشمعدان بالقمح الكامل وشيكولاته كورونا: «أنا بحب البسكويت بالقمح الكامل وبقالى فترة كنت بدور على نوع يكون جودته عالية، بسكويت الشمعدان بالقمح الكامل تحفة جداً، العلبة بـ15 جنيه فيها 6 وحدات كل واحدة بها 4 قطع سعرها يعتبر مناسب وجودتها عالية».
وعلى الجانب الآخر، كانت لـ«ياسمين حسنى» تجربة سيئة مع بعض المنتجات المصرية، والسبب هو تشطيب المنتج الردىء لحد ما: «تجربتى مع الملابس سيئة حقيقى، التشطيب سيئ جداً، تقريباً العيب أن العامل المصرى عنده ثقافة الكروتة، لو فيه ضمير ممكن ننافس وصناعتنا تكون أفضل».
«المستهلك المصرى لو وجد منتجاً محلياً جيداً، وهذا المنتج تم تسويقه بطريقة مناسبة، والمواطن قام بتجربته، ووجده مقبولاً سيحدث إقبال على شراء المصرى، وترك المنتج الأجنبى»، قالتها الدكتورة يُمن الحماقى، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، التى استشهدت بحملة الفنانة إسعاد يونس وكيف أقبل المواطنون حينها على شراء المنتجات المصرية التى استحسنوها، وأضافت: «القصة كلها إنه لو منتجنا وحش ماكنتش الناس استجابت، قدم منتج كويس وسوق له، فهيتباع»، وأكدت «الحماقى» أن الصناعة المصرية قادرة على منافسة الأجنبية، ولدينا دراسات تثبت ذلك، خاصة فى قطاعات مثل الملابس الجاهزة، الجلود، والصناعات الغذائية، كما أن الأيدى العاملة المصرية فى تحدٍ، وقادرة على المنافسة: «إن شاء الله نكون شعب منتج غير مستهلك، لكن نضع خطة، وندى نماذج صحيحة، ونثبت أن هناك منتجات قادرة على المنافسة»، وترى الدكتورة يمن أن فى حال وجود منتج مصرى قوى وزيادته، ستخرج البلاد من الأزمة الاقتصادية تماماً، لأنه سيساعد على وجود صناعة متكاملة، تكلفة إنتاجها أقل، ومن الممكن أن يتم تصدير منتجنا، ونقلل من الاعتماد على الواردات.
عن اتجاه وزارة الإنتاج الحربى لإنتاج الغسالات والثلاجات وإعلان وزارة الاتصالات عن تصنيع أول محمول مصرى، أكدت الدكتورة «يمن» أنه اتجاه مهم جداً، خاصة مع وجود مشكلة كبيرة بسبب عدم وجود مايسترو فى هيكل الصناعة: «فى وزارة الصناعة والتجارة مفيش حد بيحط رؤية إزاى يعمل صناعات تنافسية، واحنا تعبنا من الكلام فى الموضوع ده منذ 12 سنة فى مجلس الشورى، وسألنا فين رؤية وزير الصناعة، فيما يتعلق بدعم التنافسية الصناعية؟».
يجب أن تكون هناك عمليات نقل للتكنولوجيا، وهو ما تقول عنه الدكتورة يمنى: «بمعنى عشان تخلى كل السلسلة متكاملة عندك، المطلوب تنقل التكنولوجيا وتبتدى تصنع المكونات ديه، بالتالى نقل التكنولوجيا معتمد على إيه، آجى وابتدى أجيب التكنولوجيا دى من الخارج، وبعدها، أجيب العلماء عندنا يصنعوها هنا بعد ما يستوعبوا وينقلوها».
معظم الصناعات تقريباً يتم استيراد 40% من مكوناتها، فلا توجد السلسلة المتكاملة للصناعة، وهو ما لن يتحقق إلا بنقل التكنولوجيا: «لو مشينا فى هذا الإطار هنحقق هدفنا، وده المفروض يبقى أهم أهداف قطاع الصناعة، إنهم يتعاقدوا مع شركة أجنبية تنقل التكنولوجيا ويبتدوا يشتغلوا هما، ده اللى لازم نقويه عشان نبتدى نتحرك»، وتؤكد «الحماقى» أننا نمتلك قدرات هائلة وقادرون على المنافسة، ونملك الكفاءات: «كل القصة والمشكلة فى كفاءة التنفيذ، ده اللى احنا محتاجينه، إزاى نحط استراتيجية، ونضمن إن مشروعاتنا تنفذ صح».
وأكد الدكتور صلاح الدين فهمى، رئيس قسم الاقتصاد بجامعة الأزهر، أنه لا بد من تحسين جودة المنتج المصرى حتى تعود الثقة للجمهور، بالإضافة إلى أن الصناعة لا بد أن تطرح بالأسواق بسعر تنافسى مناسب وجودة عالية: «مقدرش أقول للجمهور اشترى المنتج المصرى وهو غير قادر على المنافسة، لا بد من زيادة جودة المنتج أولاً والثقة ستعود مع الوقت، فالعامل المصرى عنده مهارة وذكاء وفكر عالمى لو توافرت الإمكانات المستوى سيتفوق على المستورد».
«نقدر ننافس المنتج المستورد مرة أخرى ولكن بعد تغير ثقافة العامل المصرى الذى تعود على الكسل فى العمل منذ فترة طويلة» هذا ما أكد عليه الدكتور «عبدالرحمن عليان» عميد معهد الاقتصاد، فيرى أنه لا بد من تغيير عادات العامل المصرى حتى تتحسن جودة المنتج ونستطيع المنافسة فى ظل الغزو الأجنبى: «مصانع الإنتاج الحربى هى الكيان الاقتصادى الوحيد المتماسك حتى الآن، ولا بد من عودة الحماس مرة أخرى للعامل المصرى حتى نأخذ خطوات جادة لعبور الأزمة الاقتصادية».
وترى الدكتورة هدى زكريا، أستاذ علم الاجتماع، أن المجتمع المصرى له تجربة ناجحة فى الستينات مع منتجات المصانع الحربية التى لم تبرح ذاكرة المصريين، فلا يوجد بيت مصرى لم يستخدم البوتاجازات والسخانات والثلاجات الإيديال والسيارات النصر، ولكن الانفتاح الاقتصادى وبحث بعض التجار عن الربح السريع دمر هذا الإرث العظيم، وأضافت «المنتج المصرى قادر على العودة والمنافسة لأن الشعب المصرى بيحب يشجع صناعة بلده من زمان، الموضوع له علاقة برأس مال التجار أكثر منه عقدة شراء عند الشعب المصرى».