كل «مستورد» له بديل «مصرى».. واللى يسأل «مايخسرش»
عامل يبيع المنتجات المصرية داخل أحد المحال
سلع كثيرة مستوردة لها ما يقابلها من الإنتاج المحلى، لكن عقدة الخواجة لا تزال تسيطر على عدد غير قليل من المصريين، لكنه ومع ارتفاع الأصوات المنادية بالاعتماد على المنتج المحلى فى مواجهة المستورد، فإن كثيرين تساءلوا حول تلك الأنواع ومنافذ بيعها، وما إذا كانت ذات جودة كافية للدخول فى منافسة عادلة مع المنتج المستورد، فى الوقت الذى يؤكد بعض الخبراء أن التوقيت هو الأنسب للمنتج المحلى بعد زيادة أسعار السلع المستوردة عقب تحرير سعر الصرف، وما تلاه من آثار، ساهم فى ذلك الحملات التى تقودها الدولة للتعريف بالمنتج المحلى ودعوة المواطنين لشرائه، بعدما كان قطاع كبير يعتمد على السلع المستوردة بدءاً من الملبس إلى المأكل، الذى كان له أثر على المنتج المحلى وتراجعه يوماً بعد آخر، بعدما قل الطلب عليه. منذ أيام كانت نيفين نصر تستعد لشراء بعض الأكواب الزجاجية لابنتها المقبلة على الزواج، ارتفاع أسعار السلع صد السيدة عن الشراء، لكن إحدى جاراتها أخبرتها أن هناك بدائل محلية تستطيع الاعتماد عليها وفقاً للجودة والسعر، لم تكن تعرف من قبل عن وجود شركة النصر للزجاج، لكنها دلتها على أحد أفرعها بحى غرب شبرا الخيمة، فاشترت لابنتها من هناك ما شاءت: «الأسعار مختلفة يعنى الأطقم بره لو بـ50 هنا بـ25 والحاجة خامتها كويسة، واسمها محلية والحقيقة ماكنتش أعرف عنها قبل كده غير لما زميلتى قالت لى إنها سمعت عنها عن طريق النت» مشيرة إلى أنها اشترت مجموعة لها هى الأخرى: «جبتلى كاسات وكبايات وأطباق». الشركة التى أنشئت فى 1932 والتى تعد من أولى الشركات المتخصصة فى صناعة الزجاج فى مصر، بات ذكرها يتردد على الألسن من جديد، مقدمة كافة احتياجات المنزل من الأدوات الزجاجية، بدأت السيدة الأربعينية تبحث عن المنتجات المصرية التى تستطيع أن تستخدمها عوضاً عن المستوردة، فاكتشفت أن هناك صلصة مصرية تتبع العديد من الشركات المحلية على رأسها «قها» ورغم خشيتها فى البداية من تجربتها إلا أنها اكتشفت أنها أحد أفضل المعلبات التى اشترتها، مقررة أن تبحث عن كافة منتجات الشركة والاعتماد عليها «طالما فيه محلى بديل هاستخدمه، بس المهم يبقى الجودة بتاعته كويسة، غير كده هلجأ للمستورد»، مشيرة إلى أن هناك بدائل عن المستورد لكنها سيئة وتحتاج إلى تطوير «غيرت مساحيق الغسيل لحاجات محلية زى سافو وفى لانج وبونكس، وأسعارها أفضل من المستوردة».
الشكل النهائى وتطوير المنتج أبرز العقبات.. وأصحاب الشركات: «بنطور من نفسنا وراجعين بقوة»
د.سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات المستهلك، رأت أن كثيراً من المنتجات المحلية يدخل فى تكوينها الكثير من المواد الخام المستوردة، وبالتالى فإن الصناعة ليست محلية بشكل كامل، مطالبة الدولة بخلق البدائل المحلية عن طريق الأبحاث العلمية، مؤكدة ضرورة الاستغناء عن استيراد السلع التى لا قيمة لها، والتى لا تندرج تحت فئة الأولويات ليقل الطلب على العملة الصعبة وبالتالى تستقر أسعارها نسبياً، مشيرة إلى أن مصر تمتلك صناعات قادرة على المنافسة، مثل صناعة الموبيليا والحديد والصلب والملابس والغزل والنسيج، وسلع لها جودتها كمنتجات الألبان والأسماك والفواكه المصرية: «المشكلة عندنا إن كتير من الصناعات بتعتمد بنسبة كبيرة أو قليلة على الخامات المستوردة، يعنى صناعة الموبيليا بنجيبلها قطع مستوردة، والملابس بنجيبلها إكسسوارات مستوردة، ولو الدولة جادة فى دعم الصناعة المحلية، فعليها إنها تبحث عن توفير البديل المحلى قبل فوات الأوان». أكثر ما يغضب الديب حسب قولها، بيع المواد الخام المصرية بسعر بخس وشراؤها فى شكل منتجات بعد ذلك بأسعار مرتفعة «فى الرخام والرمال والقطن والجلود، دى نماذج لحاجات بنصدرها بثمن بخس، وبنرجع نشترى منتجات مستوردة من الخامات دى بشكل فلكى» تضرب الديب مثالاً بالدواجن المحلية، التى ارتفعت أسعارها مؤخراً بسبب زيادة الأعلاف لأكثر من 8 آلاف للطن الواحد، مناشدة الدولة إيجاد أعلاف محلية بديلة لتكون الدواجن محلية بشكل كامل: «الأمصال بتاعة الدواجن برضه مستوردة، طب ليه كدولة مايبقاش فيه بحث علمى وإنشاء معامل للمتخصصين ويبقى عندنا المقدرة على الاكتفاء محلياً من الأعلاف للأمصال»، مؤكدة غياب فكرة الصناعات التكاملية، التى تعتمد على تكملة بعض الصناعات ضاربة المثل بصناعة الملابس: «إحنا عندنا قطن لكن معندناش مصانع تعمل لنا الزراير الحديدية والسوست، وبنستوردها، وده بيخلى المنتج مش محلى بشكل كامل» ثم تطرح الديب حلاً طويل المدى اعتبرته ضرورياً: «نبدأ فى وضع خطة طويلة المدى للاكتفاء على مدى 10 سنوات مقبلة، يعنى إحنا بنعتمد على الزيوت فى مصر بنسبة 90% مستورد فليه مانبدأش من دلوقتى فى زراعة الأشجار الزيتية، والرئيس اهتم بالاستزراع السمكى ودى بادرة جيدة وأتمنى تعميمها» موضحة أن على الدولة دوراً كبيراً فى تدريب العمالة المصرية ومساعدة المصانع المتعثرة لحين قيامها ودخولها السوق بشكل قوى.
أكثر ما يعيب المنتج المحلى، حسب كثيرين، شكله النهائى، فأشرف سعيد أحد السباكين يشير إلى أن الخامات المصرية جيدة إلى حد كبير بمقارنتها مع مثيلاتها المستوردة، لكنها تفتقد الشكل الجذاب: «الصينى خامته ضعيفة لكن شكله أفضل، والألمانى بيجمع الاتنين والإيطالى نفس الكلام، فليه إحنا نبقى عاملين حاجة حلوة وفى الآخر نقفلها بشكل وحش». الرجل الذى يملك محلاً لبيع أدوات السباكة بشبرا يعتبر المستهلك المصرى ذا نظرة خارجية للمنتج «لو شكله حلو يشتريه ولو شكله وحش يسيبه» وهو ذات الأمر الذى أكده محمود فوزى أحد باعة الملابس، الذى أوضح أن السوق المصرية بدأت منذ فترة قريبة فى استقبال منتج محلى جيد إلى حد كبير، مقارنة بنظيره المستورد «البنطلون المصرى دلوقتى يعمله من 140 لـ160 فى الوقت اللى المستورد بيبقى دلوقتى من 180 لحد 300 مثلاً، وإحنا بقت عندنا مصانع فى العبور وأكتوبر بتشتغل على البناطيل بشكل كويس»، متوقعاً أن يدخل الصيف المقبل حاملاً معه ارتفاعاً فى الأسعار يقدر بـ50% على منتجات الملابس المحلية فى مصر، التى تشغل حالياً نسبة 25٪ من احتياجات السوق «دى فرصة المحلى إنه يثبت نفسه، لأن الاستيراد بقى صعب على المحلات والمكاتب، بس لو فضل بشكله الاعتيادى ومطورش نفسه محدش هيشتريه، لأن الزبون بيدور على الشكل الحلو»، لكن الشاب الثلاثينى يرى أن الصناعة المحلية فى منتجات كالقميص والجواكيت لا تزال متأخرة «ماتميزناش فيهم خالص ومعتقدش إننا نتميز فيهم بشكل سريع، بس مع زيادة المستورد فأعتقد هيبقى فيه محاولة لتطوير القمصان والجواكت» لكنه فى الوقت ذاته يخشى من زيادة أسعار المنتج المحلى، الأمر الذى قد يدفع المستهلك للبحث عن بديل أرخص، وهو ما تستطيع دولة كالصين توفيره «لو زاد بشكل كبير ففى الصين عندها عمالة ببلاش وتقدر تعمل بنطلون رخيص، بس لحد دلوقتى اللى إحنا بنعمله أرخص منها»، منوهاً إلى أن جهاز حماية المستهلك ضمانة للمستهلك المتخوف من المنتج المحلى، وهو ما أكده اللواء عاطف يعقوب رئيس الجهاز، الذى يرى أن كثيراً من المنتجات المحلية أضحت أفضل حالاً من نظيرتها المستوردة، مشيراً إلى أن ما يقوم به الجهاز فى هذا الشأن متابعة المنتجات وشكاوى المواطنين وهو ما يعتبره ضمانة لهم «المواطن اللى يلاقى مشكلة فى سلعة معينة يقدم ما يثبت كلامه، ويبقى معاه فاتورة وإحنا هنجيبله حقه» مضيفاً «إحنا عندنا منتجات حلوة وعقدة الخواجة لازم ننساها بقى عشان المنتج المحلى يرجع بقوة تانى».
أمين اتحاد الغرف التجارية، علاء عز، يرى أن التوقيت هو الأمثل للمنتجات المحلية، لكنه يحمّل الدولة مسئولية كبيرة فى هذا الشأن، قائلاً «الدولة محتاجة تدرب عمالة بشكل موسع، وتساعد الناس فى إنها تاخد تراخيص بشكل أبسط، وتيسر لهم كل الإجراءات القانونية اللى بعضها روتينى وعقيم»، مشيراً إلى أنه لا مشكلة فى دخول بعض الخامات المستوردة فى المنتج المحلى، وأنه لا توجد دولة تستخدم كافة مكونات سلعة من خاماتها المحلية «مفيش دولة بتنتج حاجة بنسبة 100% من خاماتها، وكبرى شركات السيارات العالمية كمثال لو حققت 60% من خامات العربيات عندها تبقى عملت إنجاز، واحنا نفس الكلام لو 40% من السلعة محلى يبقى إحنا كده ماشيين كويس ونقدر نعتبرها سلعة محلية، لحد ما نقدر نخلق للخامات دى بديل عندنا»، وهو ما أشار له «مسعد» أحد أصحاب مصانع الغزل بالمحلة، الذى استنكر ارتفاع أسعار الغزل الذى يشتريه من الشركة القابضة للغزل والنسيج «الغزل رفع من 22 جنيه لـ74 للكيلو، والغاز رفع من 12 لـ96 للمليون وحدة حرارية، ده غير ارتفاع أسعار الصبغة، أنا فى وسط كل ده والدولة مش بتدعمنى هشتغل إزاى»، مشيراً إلى أن مصنعه كان يقوم بتوريد المنتجات إلى الخارج وبعضها فى الداخل، لكنه ومع الزيادات الأخيرة فإنه يعمل الآن بنحو 30% من طاقة المصنع «الدولة لو دعمت الصناعة المحلية وسهلت للناس شغلها، ووفرت لهم المواد الخام وبدأت فى زرع الأراضى واستصلاح بعضها هنتغير فى 10 سنين».
«هاتى سافو، سعره رخيص ونضافته كويسة» قالتها سميحة رداً على سؤال صديقتها التى سألت عن مسحوق للغسيل فى متناول اليد، لكنها تمنت أن يظل الإنتاج بهذه الجودة وألا يخسر اسمه بعدما عاد إلى السوق من جديد، وهو الأمر الذى أكده شريف زكى، المستشار التسويقى لشركة النيل للزيوت والمنظفات، المسئولة عن المنتج «إحنا رجعنا للسوق وبقوة، وإن شاء الله هنستمر فى تقديم المنتج بشكل أفضل من المستورد، وأقل سعراً وهنكون عند حسن ظن المستهلك»، مشيراً إلى أن الشركة كانت متوقفة لأكثر من 20 عاماً، وأن عملها كان لصالح الشركات الأجنبية، لكنه ومنذ 3 أشهر عادت مرة أخرى وطورت من نفسها، وطرحت المساحيق الخاصة بالغسيل، والأخرى الخاصة بتنظيف الأطباق والأرضيات، والصابون والكلور «بقى عندنا إنتاج مضاعف وجبنا عمالة جديدة، ودربناها بشكل قوى، وطرحنا منتجاتنا فى كل الأماكن وبقى عليها سحب كبير» يحكى شريف، مشيراً إلى أنه يتواصل بشكل شخصى مع المواطنين لسماع شكاواهم واقتراحاتهم لتطوير المنتج «كانت العبوة زمان كرتون، دلوقتى بقت زيها زى أى منتج وعندنا كل الكميات المطلوبة». سافو للغسالات الأوتوماتيك يبلغ سعر الـ4 كيلو 65 جنيه للمستهلك، والغسالات العادية بـ30 جنيه للثلاثة كيلو، والـ«باور جيل» تبلغ العبوة 16 جنيهاً، وسافونيل لغسل الأطباق بـ22 جينه لـ4 لتر، ولتر من مطهر الأرضيات بـ10 جنيهات، حسب المستشار التسويقى لشركة النيل للزيوت والمنظفات، الذى أوضح أن الأسواق الكبيرة صارت تطلب المنتجات بعد سؤال المواطنين عنها «هنطور من نفسنا للأفضل، وعما قريب المحلى يغزو السوق ويبقى ليه اسم قوى زى زمان».
من الشيكولاتة إلى الأحذية، سلع رأى رجب مختار، أحد كبار التجار بدار السلام، أنها متوافرة بالسوق المصرية «شيكولاتة كرونا وبسكويتاتها، وصابون نابلسى شاهين الأشهر بين الأسر المصرية، ومنتجات شركة باتا والأحذية بتاعتها اللى ما فيه مصرى ملبسهاش، وبسكو مصر وعصير بست، والرشيدى الأصلى، وملايات ومفارش غزل المحلة والفوط اللى بتيجى من هناك، كل ده مصرى ومحلى بس الناس تدعمه عشان يرجع بقوة من تانى».