فجرت حادثة اختطاف الجنود السبعة بركاناً من الغضب. ليس غضباً عادياً هذه المرة، فكل مصائب حكم الإخوان فى كفة.. وهذه المصيبة -وقبلها قتل الجنود الستة عشر فى أغسطس الماضى- فى الكفة الأخرى. الغضب هذه المرة تكتنفه مشاعر خزى، وكأن الخاطفين صهاينة.. ولماذا «كأنهم»؟.. إنهم «صهاينة الإسلام». ولو حسبت عدد شعيرات لحية أى حاخام يهودى ستجده مساوياً لعدد شعيرات لحية السلفى، ولو قست طول الشعرة فى لحية الحاخام ستجده مساوياً لطول الشعرة فى لحية السلفى، ومن ثم يجوز قتالهم وقتلهم -كلما أمكن- بوصفهم «أعداء» لمصر وللدين الذى يعرفه المصريون، كما أن «عداءهم» هنا ليس مجازياً.. بل حقيقياً، إذ ما الذى يمكن أن تفعله إسرائيل أكثر مما يفعله هؤلاء الكلاب؟. الغاية نفسها: «وطن سلفى» فى سيناء مقابل «وطن قومى» لليهود فى فلسطين، والوسائل نفسها: قتل الجنود المصريين واختطافهم، وجرجرة الجيش إلى معارك استنزاف تلعب فيها أرض المعركة -أى جغرافية سيناء- مع «العدو».. لا مع أصحابها كما جرت العادة.
كنت أتصور أن إسرائيل فقط هى «العدو التاريخى» لمصر -هكذا تعلمنا- بغض النظر حتى عن سلام السادات المنفرد. كل ثوابت الدين والتاريخ، وكل حقائق الجغرافيا، تقول إن إسرائيل هى «العدو». لم أكن أتصور أن هذا «السلام» سيخلق عدواً جديداً.. أشد كرهاً لمصر -بلداً وشعباً- وأكثر تجرؤًا على هيبتها من إسرائيل. ولم أكن أتصور أن هذا «العدو» -الذى استهل مخططه الإجرامى بقتل السادات نفسه، الرجل الذى أطلقه من القمقم- سيجد من يدعمه ويوفر لأعماله الإجرامية غطاءً سياسياً وأمنياً ولوجستياً. لم أكن أتصور أن فلسطين التى كنا وما زلنا نعتقد أننا أصحاب قضيتها أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، وأن أمننا يبدأ من «قدسها» و«أقصاها» و«جليلها»، يمكن أن تكون «حماساً» علينا.. لا معنا، ولم أكن أتصور أن يأتى على جيش مصر يوم.. يضطر فيه إلى تحريك قوات وتحديد ساعة صفر لمواجهة شراذم إرهابية، أكلت وشربت من خيرات هذا البلد، وتمرغت فى ترابه النظيف.
الغضب طافح، لكنه ليس «ساطعاً» كما قالت فيروز، لأنه مع الأسف «غضب منا.. فينا». وغضب فيروز الذى قالت يوماً إنه «آتٍ» ليحرر فلسطين.. لم يأت بعد ولم تتحرر فلسطين، لكنه تجدد بعد هذا العدوان السلفى على سيناء، وأضيف إليه طوفان من مشاعر الخزى والحسرة، فأى قدر هذا؟!.
مصر كلها -باستثناء من يدعمون هؤلاء «الخونة»- علقت الأمانة فى رقبة الجيش، حتى لأكاد أسمع صوت أمل دنقل: «لا تصالح». لم يسمع السادات صوت الشاعر، وظن أن «أكتوبر 73» ستكون «آخر الحروب»، لكن الحرب لم تنته.. بل ربما لم تبدأ بعد. ومع أننى أتمنى للجيش كل التوفيق فى مهمته المقدسة.. فإننى مشفق عليه بقدر ما أثق فى وطنيته وكفاءته القتالية. مشفق عليه من ثقل المسئولية، لا لأنه أقل منها.. بل لأننى أشعر أن المسألة أكبر من مجرد «عملية عسكرية» تنتهى فى بضع ساعات. ألم تسأل نفسك: لماذا سمحت إسرائيل بدخول قوات مصرية -أياً كان حجمها ونوعها- إلى عمق سيناء؟. لماذا سمحت للجيش المصرى أن يقفز على سلام السادات ويخترق نصوص معاهداته الصارمة؟. ألا تعتقد -مثلى- أن من مصلحة إسرائيل أن «تتفرج» على جيش مصر وهو يُستنزَف فى معارك صغيرة مع هؤلاء الخونة؟. ألا تعتقد أن من مصلحتها أن تكون سيناء «وطناً سلفياً»، وأن يصبح الصراع «دينياً»، ومن ثم تنتهى إلى الأبد أكذوبة «تحرير الأرض»؟. ألا تشعر بعد كل ذلك أننى لست مبالغاً فى وصف هؤلاء السلفيين بـ«الخونة»؟!.